فلسطين هي البوصلة
عبد الكريم النّاعم
قال وفي عينيه لمعان حذر: “تُرى ما نهاية هذه المعركة في فلسطين، وهل هي جولة جديدة، كتلك المواجهات السابقة التي تنتهي بمزيد من الدمار في غزّة، وبعض الأضرار في المدن التي تحتلّها إسرائيل؟”.
قلت: “لاأريد حصر الأمر في المساحة التي ذكرتَها، بل اسمح لي أن أفتح فرجة البيكار لأقول إنّ ما جرى سابقاً، وما سيجري لاحقاً يؤكّد أنّ فلسطين هي البوصلة، لقد سعتْ إسرائيل بدعم غير محدود من الغرب الاحتلالي لشطب القضيّة الفلسطينية وتحويلها إلى شيء من الحكم الذّاتي، وخلاف على مساحات أمتار أو أحياء في الأرض، وحشدت لذلك كلّ طاقاتها، فكانت كامب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، وهرع عدد من حكّام الخليج لتلبية رغبات واشنطن الصهيونيّة، فماذا كان؟ لقد فشلت كلّ الخطط التي أُعِدّت، وتمكّن حلف المقاومة، بمساهمة سوريّة نوعيّة، من إنقاذ القضيّة من السقوط الذي أراده المطبّعون، وكان أوّل تحوّل نوعيّ في المواجهة في عام 2000 في جنوب لبنان، وتُوِّج في حرب 2006 التي كانت بداية إعلان عمليّ عن عجز قوّات الصهاينة عن العربدة ساعة تشاء.
إنّ ما نراه اليوم من صمود غزّة والضفّة، بفصائلها المُقاتلة لم يأتِ من فراغ، فقد راكمت القوى الفلسطينيّة تطوير قدراتها، في أزمنة كالحة، في أزمنة ظنّ فيها المستسلمون والمتخاذلون أنْ لا أمل بعد الآن، وأكرّر القول إنّ ذلك كان بدعم حلف المقاومة، ذلك الدعم الذي لم ينقطع في سوريّة حتى في زمن إشعال الحرائق فيها، انظر الآن فماذا ترى، عجز إسرائيل عن الحسم، بيد أنّها خضّت المياه الرّاكدة خضّاً عنيفاً فأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة كقضيّة شعب احتُلّت بلاده وأنّها ليست خلافاً على مساحات محدودة من الأرض، وبذلك تترسّخ مقولة فلسطين هي البوصلة، ولا يُغيّر من هذه الحقيقة تخاذل مَن تخاذل من قيادات فلسطينية، لقد أعادتْ المعركة الأخيرة في غزّة إلى الوعي الجماهيري أنّ العروبة بمعناها الإنساني التقدّمي، لا بالمعنى العرقي، هي هويّة هذه الجماهير الممتدة من المحيط إلى الخليج، يؤكّد ذلك خروج الجماهير العربيّة متظاهرة في العديد من عواصم العرب.
لقد حرّكت المعركة الأخيرة الوجدان الإنساني في عدد من عواصم الغرب الاحتلالي النّهّاب، وقد نقلت شاشات الفضائيات خروج تلك الجماهير في عدد من مدن الغرب الذي تصهيَن حكامه، فكان هذا إحياء لطرح القضيّة الفلسطينيّة على مستوى العالم، حتى أنّ بعض البلدان أصدرت قراراً بمنع التظاهر خلافاً لما هو معهود في أوروبا من زعم احترام حقّ التظاهر.
إنّ المعركة الأخيرة أثبتت عمق وصدقيّة موقف حلف المقاومة، ولولا هذا الحلف لما تمكّن أهلنا في الأرض المحتلّة من بلوغ ما بلغوه بحيث أصبحت صواريخه تصل إلى أيّة بقعة من الأرض التي يحتلّها الإسرائيليون، ونحن لا نرى من جبل الجليد إلاّ جزءه الظاهر، أمّا تفصيلات ذلك، فستّترك للزمن للكشف عن خباياها.
إنّ شعباً يقاتل بهذه البسالة، في ظروف خانقة، من المشي في الشارع إلى تأمين لقمة العيش هو شعب لن يُهزم، ويصرّ على المواجهة بعد ستة أجيال جديدة، والتي راهن عليها الآباء المؤسِّسون لذلك الكيان بأنها ستنسى، وها نحن نرى العرب الفلسطينيين في أرض 1948، وهم مطوّقون من جميع الجهات لا يتردّدون في مواجهة الغطرسة الصهيونيّة، إنّ المأزق الذي تعاني منه قيادة الصهاينة، ليس أقلّ من مأزق المطبّعين العرب، تبقى مسألة مهمّة هي كيف يتعامل الصهاينة القادمون من شتات مدن العالم، هل سيعتادون على المبيت في الملاجئ، أم أنّ الرجوع إلى المَواطن التي هاجروا منها سيكون خيارهم الأفضل؟ لاسيّما وأنّ ثمّة مَن يتساءل فيهم تُرى إذا كان هذا ما فعله المقاومون في غزّة فكيف إذا دخل حلف المقاومة المعركة؟!!..
لا بدّ من الانتظار قليلاً، مدركين أنّ ما بعد هذه المعارك ليس كما قبلها، وأهلنا في فلسطين المحتلّة تعوّدوا على الصبر، وعلى إعادة بناء ما يُدمَّر”.
aaalnaem@gmail.com