التشكيلي عمار الشوا.. سلوك الفنان في لوحته
شهدت صالة عشتار للفنون الجميلة الأسبوع الفائت معرضاً لأعمال التشكيلي عمار الشوا، الفنان المجتهد نحو تقديم خصوصية فنية مختلفة تحقّق حضورها في مناخ تشكيلي يشهد الكثير من المعارض في الصالات الخاصة والعامة، رغم الإجراءات الصحية العامة التي قلّلت من بعض الأنشطة التي كانت تزخم في مثل هذا الموسم من كل عام، إلا أن متابعة ما ينتج أضحى من الأمر السهل، خاصة وأن العديد من منتجي اللوحة لا يقصّرون من جهة نشر أعمالهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي، حتى بدا الأمر وفيراً بغثه وسمينه، ليجعل من المؤكد أن صالة العرض لا يمكن الاستغناء عن وجود المعرض فيها بشكله المعلّق على الجدران أو بشكل وجود الفنانين مع بعضهم في ذلك الجو الاجتماعي الاحتفالي.
عرض الفنان الشوا عدداً كبيراً من اللوحات قياساً لمساحة الصالة التي غصّت بعشرات اللوحات، إلا أن حسن العرض والتنسيق من قبل إدارة الصالة نجح في جعل الأمر لطيفاً إلى حدّ ما، والأهم ما قدّمه الفنان من حيث القيمة التي تستحق الوقوف أمامها طويلاً لما يتمتّع به هذا الفنان من حضور محبّب على المستوى الشخصي، معززاً بتجربة وافية من الخبرة الفنية الواضحة في تقنية التنفيذ واختيار المواضيع البسيطة المناسبة، مع الإشارة إلى ما سبق افتتاح المعرض من تقديم أو تصريحات لبعض الأصدقاء التي لا تخلو من الوجدانيات وخطابات المودة والتعزيز التي فاضت في مساحتها خارج حدود اللوحة التي لا يمكن أن يقال عنها إنها أبسط وأكثر لطفاً من الإنشاء ولا تحتمل كل هذا العبء من التوصيف.
يمتلك الفنان المهارة على تأليف اللوحة الغنيّة من حيث السطح باعتبار الملمس قيمة فنية، مثلما يمتلك خبرة المجرّب في تحقيق مناخ لوني يأتي من البحث التقني على صعيد مزج الأصبغة، والاستفادة مما تتركه التأثيرات اللاقصدية التي تدخل مرحلة ثانية وهي مرحلة الإخراج النهائي، حيث الحذف والتظهير أو التكرار لبعض المفردات مع إضافة اللمسات اللونية “المينكرومية” وبعض المنمنمات ضمن وظيفتيها التصويرية والتزيينية معاً، هذا الاحتفاء باللوحة التحفة قد لا يُحسب لمصلحة التعبيرية في العمل لكنه يعزّز من براعة الصنعة والإدهاش التي يتطلبها كل عمل فني يتقصّد الوظيفية والمتعة لناجزها المستغرق في تلك العناية المتماشية من واقع روح الفنان وسلوكه النفسي الذي لا يمكن أن يكون إلا دليلاً صريحاً على رحابة حواس هذا الفنان المسكون لطفاً ووعياً بأهمية التفاصيل في تأليف الجملة البصرية التي تتقصّدها لوحة التصوير التي تقارب الانطباعية بتبقيعات اللون ودرجة الحضور الفيزيائي أمام خلفية لونية استثمرها لوظيفة بصرية واعية لأهمية هذه التونات بين مقدمة اللوحة وخلفيتها.
سبق لعمار الشوا عدد من المشاركات الجماعية في المعارض والملتقيات، إلا أن هذا المعرض الفردي الأول قد وضع هذه التجربة على سكة مختلفة تتطلّب التطوير والمواكبة وتأكيد ذاتها، مستقلة بالحضور الفردي المميّز، والتي يُخشى عليها من التغييب أو الوقوع في العادية، وخاصة في مواقع أو عروض مشوشة، والمقصود هنا بعض المشاركات في المعارض الجماعية التي لا يتقدم فيها إلا بعض المشوشين وراكبي موجة الميديا من المملين فنياً.
عمار الشوا جدير بالتحية قبل وبعد هذا المعرض لما يقدّم من فن ومن حضور لشخص الفنان المثقف المحبّب والمحب.
أكسم طلاع