زيارة بلينكن إلى المنطقة.. هل تستطيع إدارة بايدن احتواء المشهد الجديد؟
تقرير- طلال الزعبي:
في محاولة لاستعادة جزء من دورها في إدارة الصراع العربي الصهيوني، وليس في حلّه، الذي دمّرته القرارات الاستفزازية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وفي إطار سعي الإدارة الديمقراطية الجديدة برئاسة جو بايدن للحفاظ على صورتها في المجتمع الأمريكي، وخاصة المجتمع الديمقراطي، بعد حرب الإبادة التي شنّها حليفها الصهيوني على قطاع غزة المحاصر، ولاسيما بعد تنامي الأصوات المندّدة بممارسات الكيان العنصرية في الأراضي المحتلة، تحاول هذه الإدارة جاهدة إعادة ثقة الأطراف في المنطقة بدورها الذي تدّعي فيه الوساطة بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين، وفي هذا السياق تأتي زيارة وزير الخارجية انتوني بلينكن إلى المنطقة.
وفي الحقيقة لن تصل الإدارة الأمريكية في هذا الإطار إلى أي نتيجة لأنها تصرّ على التعامل مع الأطراف التي تعدّ حليفة لها في المنطقة، وتتجاهل أن المشكلة الأساسية في هذا الموضوع أن الصراع القائم هو صراع وجود بين شعب احتلّت أرضه وتم تشريده ويُمارس بحقه يومياً مختلف أشكال التطهير العرقي والفصل العنصري والتهجير القسري والاعتقال التعسفي، وكيان محتلّ يستمر في القفز فوق الشرائع الدولية وتجاهل قرارات الأمم المتحدة فيما يخص إعادة حقوق الشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة وتقرير المصير واستعادة أرضه المحتلة، وبدعم أعمى من الإدارات الأمريكية الأعمى.
ومن هنا فإن زيارة بلينكن إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة لا تعدو كونها نوعاً من التخدير لإعطاء الاحتلال فرصة لالتقاط أنفاسه بعد الهبة الفلسطينية الشاملة التي فاجأت الإدارة الأمريكية، حيث تصاعد الغضب على المحتل في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحدث تواصل فريد بين فلسطين المحتلة عام 1948 والضفة وغزة، وكانت القدس والأقصى هي البوصلة التي وحّدت الفلسطينيين جميعاً وغيرهم في الشتات ضمن حواضنهم العربية مع خيار المقاومة، وبالتالي مثّلت الهبة الفلسطينية الأخيرة ضربة قاضية لما يسمّى “صفقة القرن”. ولم يعُد هناك صوت إلا لصواريخ المقاومة التي ألزمت قادة الاحتلال قبل المستوطنين الهروب إلى الملاجئ، ولم يعُد الحديث يدور عن إمكانية استئناف المفاوضات، وهذا بالفعل هو الهدف الأساسي الذي حضر بلينكن من أجله إلى المنطقة، حيث زار العواصم التي يعتقد أنها تستطيع الضغط على الفلسطينيين للعودة إلى الوراء.
وفي هذا الإطار قال الكاتب الصحفي الأميركي توماس فريدمان: إنه أصبح من الضروري أن يتخذ الرئيس الأميركي خطوات عاجلة لإعادة تنشيط إمكانية حل الدولتين، وإعطائه على الأقل بعض المظاهر الدبلوماسية الملموسة على الأرض، وإلا فإن الأمن القومي الامريكي وليس “الإسرائيلي” في خطر؟!. وأعرب عن أمله أن يوصل وزير الخارجية الأميركي “للقادة الإسرائيليين” والفلسطينيين خلال لقائه معهم هذا الأسبوع رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة ستتعامل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية على أنها قيادة دولة فلسطينية في طور التشكل، ووفقاً لذلك فإنها ستتخذ سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية لترسيخ الدولة الفلسطينية والحفاظ على إمكانية تحقيق حل الدولتين، حسب تعبيره، وتمنى أن يقول بلينكن للطرفين: “إننا نحترم كل مخاوفكم، لكننا مصمّمون على المضي قدماً لأن الحفاظ على حل الدولتين الآن لا يتعلق فقط بمصالحكم الأمنية الوطنية، وإنما يتعلق أيضاً بمصالح أمننا القومي في الشرق الأوسط، وبالمستقبل السياسي للحزب الديمقراطي”.
وأوضح الكاتب أنه في غياب الأمل بإمكانية قيام دولتين منفصلتين؛ فلسطينية و”إسرائيلية”، فإن الخيار الوحيد المتبقي هو دولة واحدة تسودها الهيمنة الإسرائيلية، ويُحرم فيها الفلسطينيون في القدس الشرقية والضفة الغربية بشكل ممنهج من المساواة في الحقوق، لكي تتمكن “إسرائيل” من الحفاظ على طابعها اليهودي، مضيفاً: “إذا حدث ذلك، فإن اتهام “إسرائيل” بأنها أصبحت كياناً شبيهاً بنظام الفصل العنصري سيتردّد صداه، ويكتسب زخماً أبعد وأوسع نطاقاً، ويؤدّي إلى انقسام الحزب الديمقراطي”.
ولكن المشكلة الأساسية التي تحاول الإدارة الأمريكية تجاهلها، هي أن استعادة المفاوضات بين الطرفين لم تعد ممكنة مطلقاً بعد أن دمّر الكيان الصهيوني جميع الاتفاقات القائمة بينه وبين السلطة الفلسطينية بدعم أمريكي واضح لمخططاته الاستيطانية وعملياته التوسعية والتهويدية وتغطيته على جميع ممارساته التعسفية بحق الفلسطينيين في جميع المحافل الدولية.
لذلك جميع المحاولات الأمريكية الرامية إلى إسكات الشعب الفلسطيني وإغرائه عبر الإعلان عن دعم عمليات إعادة الإعمار في غزة بمبالغ مالية وغيرها من الإجراءات التي يُراد من خلالها إعادة الفلسطينيين إلى متاهات الدول المانحة، لم تعُد تجدي نفعاً في ظل تنامي قوة المقاومة في الأراضي الفلسطينية عامة وليس في غزة فقط، وسقوط جميع النظريات التي تسعى إلى إيجاد حل مع هذا الكيان الإجرامي.