أبعاد زيارة دوما
“البعث السبوعية” ــ محمد نادر العمري
إلى جانب المضامين العديدة التي تضمنتها فترة الاستحقاق للانتخابات الرئاسية في سورية، حملت زيارة الرئيس – المرشح بشار حافظ الأسد إلى قلب الغوطة الشرقية، ومنطقة دوما بالذات، العديد من الرسائل على الصعيدين الداخلي والخارجي، فضلا عن لقائه الجماهيري مع أهالي تلك المنطقة وشفافيته في توصيف الواقع، وما كان يراد من الحرب الإرهابية على هذه المنطقة خصوصا، وعلى سورية عموما.
فانتقاء المنطقة للتصويت بها وزيارتها ومشاركة مواطنيها الواجب والحق الدستوي، وخاصة دوما، بما كانت تمثله من بعد ودور وتأثير وتوظيف إقليمي على مدى 6 سنوات من الحرب على سورية (حتى عام 2018)، تتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة لتحرير المنطقة من الميليشيات الإرهابية، حيث شهدت خروج آخر مسلح منها باتجاه الشمال في الرابع من نيسان عام 2018، وهو ما أعاد للعاصمة دمشق جزءاً كبيراً من الأمان وفتح خطوط الطرق الرابطة بينها وبين المدن والمحافظات الأخرى، لذلك هنأ الرئيس الأسد عقب الإدلاء بصوته أهالي دوما على التحرر من الإرهاب، والعودة إلى حضن الوطن؛ وهو ما أفشل الإرهابيين ومن وقف خلفهم من دول في تزييف حقائق أبرزها أن الحرب في سورية حرب أهلية أو طائفية، وذلك من خلال الرفض الشعبي لوجود هذه التنظيمات، والتي كان ضحاياها المئات من السوريين الذين كانوا يتعاونون مع الدولة السورية لإخراج هذه التنظيمات من جانب، ومن جانب أخر يؤكد بأن المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية اليوم هي مناطق مختطفة من قبل تنظيمات موظفة إقليميا ودوليا، كما كان عليه الحال في الغوطة سابقا والعشرات من المناطق السورية، والدليل على ذلك يمكن استقراؤه من خلال العلاقة الارتباطية والعضوية التي تربط كل من تركيا مع “جبهة النصرة” الإرهابية في إدلب، وميليشيا “قسد” في منطقة الجزيرة، وما تشهده هاتان المنطقتان اليوم من حالة اختطاف واحتلال وممارسات ضد المواطنيين السوريين، شهدتها دوما وغيرها، والمصير الذي شهدته الغوطة ستشهده باقي المناطق المحتلة.
أيضا، من النقاط البارزة في تصريح الرئيس الأسد إشارته إلى أن الحرب في سورية لم تكن يوما طائفية أو مناطقية، وهو ما حاولت الدول المعتدية ووسائل الإعلام التابعة لها من إظهارها منذ بداية الحرب على سورية، بل ربما يمكن التأكيد بأنها لم تكن حربا حول الشرعية، لأن الحراك الشعبي خلال الانتخابات كان كافيا للرد على تصريحات الدول الغربية بشأنها، والوعي الشعبي لم يكن مصطنعا ولا مفروضا، بدليل المشاركة الشعبية الكثيفة والواسعة في انتخابات الخارج من قبل المواطنيين السوريين، الذين رفضوا كل أشكال التهديد والترغيب لمقاطعة الانتخابات، بل واجهوها بإرادة تمسكهم بانتمائهم وحقهم الدستوري، ولعل ما تعرض له السوريون في لبنان من إرهاب ميليشيوي ومنعهم من التعبير عن رأيهم في ألمانيا وتركيا يؤكد ذلك.
واللافت أيضا في هذا السياق أن الشعب السوري من خلال مشاركته في الاستحقاق الدستوري هو الذي تصدى للبيان الخماسي المشترك لوزراء خارجية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا بشأن الانتخابات الرئاسية، وهو وحده صاحب الحق في منح الشرعية وإضفائها على النظام السياسي، فهذا البيان من خلال ما تضمنه من دعوة السوريين للمقاطعة يمثل خرقا للقانون الدولي ولميثاق اللأمم المتحدة عبر التدخل في الشأن الداخلي وتأزيم الأزمات.
بينما تتمثل الرسالة الضمنية من خلال الزيارة، هو الاستمرار في العمل على إعادة إعمار المناطق التي تم تحريرها، ونفضت عنها غبار الحرب. لذلك فإن مرحلة ما بعد الانتخابات من المؤكد لن تكون كما قبلها.
من تابع مسار الحرب على سورية يدرك أن المواقف شهدت تناقضات وتحولات لدى العديد من الدول، ولكن هذه التبدلات لم تكن نتيجة إرادتها السياسية بل نتيجة ما حققه السوريون في الدفاع عن بلادهم بكافة الأشكال، وهو ما سيدفع المزيد من الدول للتكيف مع إرادة السوريين، وكان آخرها التعبير عن إرادتهم في هذه الانتخابات بالرغم من كل الصعوبات الحياتية اليومية التي يعانون منها نتيجة الحصار الخارجي. ولعل ما عبر عنه السفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، من أن نجاح الانتخابات السورية، وتصويت الرئيس الأسد في مدينة دوما مؤشران على فشل الدبلوماسية الأمريكية – بما يمثله فورد من مكانة في النخبة الدبلوماسية الأمريكية، وما تمثله واشنطن بوست من مكانة في التأثير على الرأي العام الأمريكي – يؤكدان حقيقة قرب هذه التبدلات في المنطقة.