البصيرة العارفة سرُّ الجمالية الغائبة
غالية خوجة
لماذا “الشللية” و”المافيوية” في الساحة الثقافية والفنية والحياتية؟ وإلى متى الانتماء للعلاقة مع الشخص لا مع النص؟ وماذا لو ساهمنا في التشخيص السريري والتكنولوجي والروحي لأمراض المشهد الحياتي؟ وكيف نساهم في كيفية انتمائه إلى المعرفي الثقافي الفني الجمالي بتحولاته المستدامة؟
تدور أسئلة كثيرة تجعلنا نبحث عن مفهوم المثقف الحياتي الجوهري في مجمل علوم ومعارف الحياة الإنسانية ومنها العلمية والأدبية والبحثية والأركيولوجية والمعرفية والاقتصادية والنفسية والسياسية والإدارية والتجارية، وهذا يجعلنا نبحث في الآن ذاته عن المفهوم الغائب من المفهوم الحاضر، لنتبيّن أن العلاقات الإنسانية تنبني على الترابط الاجتماعي لمصالح ضيقة خاصة ومعينة، عمادها الشخص لا النص، بينما المعادلة الجمالية الغائبة هي النص لا الشخص، والتي لا بد وأن نفعّلها لكي تتطور معطيات الإبداع، وإلا ظلت الحياة تدور حول ذاتها وببطء شديد لأنها على شفا خُلوٍّ من مفاهيم الإبداع.
ضمن الشخص لا النص يدور المشهد الحياتي عموماً، فلا يفرق بين علاقة القارئ بالنص كشريك متفاعل، لأن العلاقة الشللية تتكاثر بطفيلياتها، فلا يكاد يبيْنُ المشرق الذي يضيف للحظة الماضية والحاضرة والمستقبلية إلاّ بصعوبة لأن جماعات الإخماد تجهل أن ما ينفع الناس يمكث مكوث الأزمنة عابراً الأمكنة. فماذا لو استبدلنا المفهوم الضيق لهذه العلاقة بمفهومها الأوسع القارئ لأبعادها الأخرى؟ ألا يساعدنا ذلك على الخروج إلى فضاء بوصلته البصيرة العارفة؟
بالتأكيد، لستُ من أنصار موت الكاتب ولا موت القارئ، وبالتأكيد، لست من أنصار موت النص، لأن النص الذي يعتمد على الشللية الآنيّة ميت قبل ولادته، بينما النص الحيّ فهو الذي يبعث الحياة في الحياة ويجدد حيوية الروح والقلب والعقل، لأنني ولأنكم مع حياة النص المتجددة فيما لو عكس هذا النص إشراقاته المحيرة بجماليات وفنيات إبداعية مشعة تتحدى صدأ الأزمنة بكثافتها الشفيفة المتحولة القابلة لقراءات تشاركية متنوعة ومختلفة ومتعددة، مما يجعلها احتمالية لا غامضة تماماً ولا واضحة تماماً.
وكذا، يفعل النقد المثقف الرائي مع النص المثقف الرائي، لأن النص الإبداعي المبصر ينجب أدواته النقدية معه، ولا يعتمد على علاقة “شخصنة”، أو وحدة قياس مسبقة الصنع، بل يعتمد على ثقافة القارئ وهو يكتبه من خلال ثقافته المعتقة بالأساليب والنظريات والمذاهب النقدية المعلومة، منطلقاً من الأشعة التي يلدها النص البصير المبدع.
وهنا، نكون قد توحدنا مع روح النص ومسكوتاته ولا مرئياته وغياباته القابلة للتوغل بعيداً، ممسكين بمفاتيح النور ونوافذ دلالاتها النسقية والصياغية والرمزية والتشكيلية، مما يجعله محيّراً للتشكّلات التي لا تقبل النهايات المحدودة المغلقة.
أن تبدع يعني أن يكون نصك الحياتي عابراً للأزمنة والأمكنة، وهذا ينطبق على كافة مجالات الإبداع الإنسانية ومنها الفنون والإعلام والكتابة والسياسة والإدارة البنّاءة والحيوية لكافة مفاصل الحياة المنتجة لمُجملها لتكون حياة مستدامة تتجه إلى التطوير المتجدد، وهذا لن يحصل إلاّ من خلال العمل المتواصل الإيجابي الذي نحتاجه في راهننا المعاصر من أجل بناء الإنسان والوطن، فماذا لو اعتبرنا كلاً من الإنسان والمجتمع والحياة نصاً؟ لتعددت القراءات والسلوكات والاحتمالات التي تخبرنا عاجلاً أو آجلاً بأن الزمان لن يختار إلاّ الأكثر إشراقاً وإيجابية وإبداعية، لماذا؟ لأن الزمان لن يكون سرمدياً خاضعاً للشللية والمافيوية وعمرها القصير جداً.
ترى، ماذا لو أعدنا قراءة أنفسنا ومجتمعنا ووطننا والعالم متسائلين عن مكامن الإيجابية الإبداعية في الحياة؟ ما رأيكم لو نجرب الآن وليس البارحة ولا غداً؟