قانون الاستثمار الجديد.. ضمانات ومزايا عديدة والخبراء يؤكدون على ترجمته بدليل إجرائي واضح مبسط بعيد عن الروتين والفساد
“البعث الأسبوعية” ــ فاتن شنان
تشكل تهيئة البيئة الاستثمارية الجاذبة والتنافسية خطوة أولى في عملية التخطيط والتوجيه لتوفير استثمارات مهمة برؤوس أموال محلية أو جذب الخارجية منها؛ ولعل طرح فرص استثمارية مقرونة بمزايا ومحفزات وازنة في قاموس الاستثمار يسهل العملية الاستثمارية ويدعم الاقتصاد الوطني ومسارات التنمية الشاملة.. هذا ما خرج به قانون الاستثمار الجديد رقم 18 لعام 2021، حاملاً معه جملة من المزايا والإعفاءات المغرية والمحفزة لبداية أي نشاط استثماري شريطة أن ينتمي لقائمة المشاريع ذات الأولوية، كمشاريع القطاع الزراعي والصناعي والتقني وغيرها، مع ضمانات تؤكد على جدية الطرح ووضوح الرؤية الحكومية في إدارة العملية الاستثمارية، بما لا يقبل الشك أو الريبة في عدالة التعامل بين المستثمرين، محليين كانوا أو أجانب، وضمانة حقوقهم وأموالهم وتسهيل إجراءاتهم واستثماراتهم بأنواعها، ليبقى للتنفيذ على أرض الواقع الكلمة الفصل ضمن أدلة إجرائية واضحة ومبسطة، سريعة ومرنة، من شأنها ترجمة ما نص عليه القانون دون فواصل تعيق مسار الاستثمار.
حجر أساس
تُعد هيئة الاستثمار السورية وجهة المستثمرين الأولى لربطهم بالفرص الاستثمارية الطامحين إليها، أو شق طريقهم لتأسيس مشاريعهم الخاصة، إذ حققت خلال العام المنصرم وحده عدداً كبيراً من المشروعات المشملة، والتي بلغت 72 مشروعا استثماريا جلها نوعي بحسب بيانات الهيئة، التي اعتبر مديرها العام، مدين دياب، أن القانون الجديد يشكل حجر الأساس لعملية تطوير شامل لبيئة الأعمال في سورية، بهدف إيجاد بيئة استثمارية تنافسية لجذب رؤوس الأموال، والاستفادة من الخبرات والتخصصات المختلفة وتوسيع قاعدة الإنتاج وزيادة فرص العمل ورفع معدلات النمو الاقتصادي، بما ينعكس إيجاباً على زيادة الدخل القومي وصولاً إلى تنمية شاملة ومستدامة، وجاء القانون ملبياً لطموح رجال الأعمال والمستثمرين.
عدالة الفرص
توفير الفرص المتساوية والمتكافئة لجميع المستثمرين، وعدم التمييز بين مستثمر أو آخر، بسبب جنسيته، من أولى المبادئ والضمانات التي كرسها القانون الجديد. وفي هذا السياق، لفت دياب إلى إمكانية منح إقامة للمستثمر الأجنبي طول فترة إقامة مشروعه الاستثماري، كما دعم المشروعات بمختلف أنواعها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وبحسب أهميتها أولويتها بالنسبة للاقتصاد الوطني؛ وكفل القانون حرية الاستثمار ومكافحة الممارسات الاحتكارية والمخلة بالمنافسة ودعم المنافسات المشروعة.
وبين دياب أن القانون يوفر جميع التسهيلات الإدارية وغيرها للمستثمرين، وإتمام الإجراءات بالسرعة والجودة الكفيلة لإنجاز معاملاتهم، مع التشديد على ضرورة مراعاة الجانب البيئي في المشروعات والمناطق الاقتصادية الخاصة، وكذلك الجانب الصحي وتوفير الدعم اللازم لذلك. كما يضمن القانون للمستثمر عدم إخضاع مشروعه لأي أعباء إجرائية جديدة ناجمة عن قرارات وتعاميم وبلاغات، صادرة عن أي جهة عامة، غير واردة في الدليل الإجرائي المعمول به بتاريخ تقديم طلب الحصول على إجازة الاستثمار، باستثناء ما يتعلق بالبيئة والصحة العامة، أو أية أعباء مالية خلال مرحلة التأسيس، كما نص على عدم نزع ملكية المشروع إلاّ للمنفعة العامة، وبتعويض يعادل القيمة الحقيقية للمشروع، وإعادة تحويل مبلغ التعويض الناجم عن المال الخارجي الذي أدخله بغرض تمويل الاستثمار وذلك إلى الخارج وبعملة قابلة للتحويل.
جودة الإنجاز
ولا شك أن القانون الجديد يحمل فلسفة جديدة لتبسيط الإجراءات، بما يرفع مرتبة سورية في تقرير أداء الأعمال ويجعل من هيئة الاستثمار السورية بوابة للمستثمر، إذ نص على مأسسة العملية الإجرائية للمشاريع الاستثمارية وتسوية المنازعات بما يضمن تسريع الإجراءات من خلال تقليص البيروقراطية والروتين، والسرعة في الإنجاز بجودة عالية وإنهاء المنازعات وتسريع العجلة الإنتاجية، واعتماد دليل للإجراءات يتضمن الضوابط والشروط والمعايير الفنية والأعباء المالية وإجراءات الترخيص الواجب التقيد بها عند ترخيص وتأسيس المشروع، وتحديدها بإطار زمني ملزم، الأمر الذي سيساهم في وضوح الإجراءات وتبسيطها وإنجازها خلال فترة محددة.
مراكز تحكيم
وبين دياب أن القانون فوض ممثلي الهيئة بالصلاحيات اللازمة لأداء المهام الملقاة على عاتقهم، وهذا يتطلب تبسيط الإجراءات البينية لديها، وذلك ضمن المدة المحددة بموجب القانون، والتي لا تتجاوز ثلاثين يوماً؛ كما طالب الجهات العامة الالتزام بالمهل المحددة في دليل الإجراءات، على ألا تتجاوز مهلة البت بمنح إجازة الاستثمار متضمنة جميع التراخيص والموافقات مدة ثلاثين يوماً، وإحداث مركز خدمات المستثمرين في المركز والمحافظات وفي المناطق التنموية والتخصصية، وجعل جميع قرارات هيئة الاستثمار السورية معللة، ومنح المستثمر حق الاعتراض خلال مدة ثلاثين يوماً، والبت فيه خلال مدة خمسة عشر يوماً، وتتم تسوية المنازعات الاستثمارية الناشئة عن تطبيق أحكام هذا القانون بعدة طرق الودية (التوفيق والوساطة)، والتحكيم، وأخيرا القضاء المختص. ولفت دياب إلى إحداث مركز تحكيم مستقل يسمى “مركز اتحاد غرف التجارة السورية للتحكيم” يختص المركز بالنظر في المنازعات المدنية والتجارية الناشئة عن الاستثمار.
وبين دياب أن نجاح القانون بالوصول إلى الأهداف المحددة فيه يتطلب من الجميع المشاركة والمساهمة في تنفيذه والتكاتف لتحسين مناخ الاستثمار، وإن خرجت التعليمات التنفيذية واضحة ومفصلة – كما وردت في القانون دون تحميلها لمعان متعددة – ستؤتي ثمارها بمضاعفة المشروعات المشملة، لاسيما بوجود خبرات وكوادر نشطة قادرة على التواصل مع المستثمرين وطرق طرح الفرص الاستثمارية وتقديم الدعم للمستثمر لاتخاذ قرار الاستثمار وتنفيذ مشروعه ودخول إنتاجه في عجلة الاقتصاد الوطني.
غير كاف
أتاح قانون الاستثمار الجديد إحداث مناطق اقتصادية خاصة بأشكال متعددة تنموية وتخصصية وخاصة، وذلك لجذب القطاع الخاص لنشر النماء الاقتصادي والاجتماعي، إذ لم يقتصر الاستثمار على المناطق والمدن الصناعية، بل شمل تنمية المناطق المتضررة أو النامية لتحقيق النمو الشامل، وتشجيع أنشطة أو قطاعات ذات أهمية خاصة، أو تشكل حوامل للنمو، أو إقامة مجموعة مترابطة من الأنشطة الاقتصادية على شكل عناقيد إنتاجية أو خدمية.
ولكن القانون الجديد وحده غير كاف لجذب الاستثمارات بشكل فعال، بحسب خبير الاقتصاد الدكتور زكوان قريط، إذ أكد أن القانون يتوقف على آلية تنفيذه على أرض الواقع والتعليمات التنفيذية له، والحاجة إلى إيجاد بيئة استثمارية يسودها الشفافية والإفصاح ومحاربة البيروقراطية والفساد، بالإضافة إلى إصدار قوانين وتشريعات تخص السياسات الاقتصادية والمالية، على أن تكون مكملة ومرافقة لهذا القانون مع تحقيق الاستقرار السياسي في المرحلة المقبلة من سورية المتجددة.
وشدد قريط على أن القانون يؤكد عدة قضايا، أهمها وجود خارطة استثمارية شاملة تحدد المناطق التنموية والقطاعات المستهدفة وتوزيعها بشكل فعال، بالتوازي مع إحداث مناطق اقتصادية خاصة وتنموية، وفسح هامش من حرية الاستثمار والحد من الاحتكار وتشجيع التنافس الإيجابي، كما أخذ بعين الاعتبار الجانب الاجتماعي والبيئي من خلال تراخيص إقامة مشاريع استثمارية جديدة، كما شجع القانون التشاركية مع القطاع العام وقدم ضمانات قانونية مشجعة لحماية حقوق المستثمرين. ولا يمكن إغفال الإعفاءات الضريبية والحوافز الجمركية الموزعة بشكل منطقي وعقلاني على مختلف القطاعات، فالاستثمار في الإنتاج الزراعي والحيواني تصل إعفاءاته إلى 100% مقارنة بمشاريع أخرى، وهذا ما يعكس اهتمام الحكومة بتلك المشاريع لأنها أساس التنمية.
فورة استثمارية
في حين رأى الدكتور مصطفى الكفري أن البيئة القانونية بحاجة إلى تطوير دائم لتلائم التغيرات الحاصلة، وعلى اعتبار أن سورية تسعى دائما لإيجاد بيئة استثمارية مناسبة للاستثمارات المحلية والأجنبية ولاستثمار المغتربين السوريين، لابد أن تتضمن هذه البيئة العديد من الإجراءات والإعفاءات والمزايا التي تتضمنها قوانين تشجيع الاستثمار، وأشار إلى أن أول قانون واسع للاستثمار، وهو قانون رقم 10 لعام 1991، أعطى العديد من المزايا للمستثمرين، وتم تطويره، في عام 2000، بإصدار المرسوم رقم 10 الذي تضمن السماح للمستثمرين الأجانب بالتملك العقاري، وتخصص هذا التملك فقط لأغراض المشروع. وشهدت سورية خلال الفترة الواقعة بين عامي 2000 و2010 فورة استثمارية لم تشهدها في تاريخها، وجاءت نتيجة التعامل الإيجابي، ما أدى إلى جذب المزيد من الاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، وبناءً عليه استثمرت أهم الشركات العالمية، منها كاركل الأمريكية لإنتاج السكر بطاقة مليون طن سنوياً، والفرنسية لافارج من أهم شركات الاسمنت في العالم، وغيرها الكثير من الشركات الأخرى.
مهمة جديدة
لا شك أن البيئة الاستثمارية اليوم تختلف كثيراً عما كانت عليه سابقاً، لذلك حدد القانون الجديد جوانب عديدة للاستثمار، وركز على توفير بيئة تجذب الاستثمارات الإنتاجية، لاسيما تلك التي تعتمد على الموارد المتوفرة محلياً، وأعطى ضمانات ومزايا كثيرة، منها عدم جواز إلقاء الحجز الاحتياطي على المشروع أو نزع الملكية أو إخضاعه لأعباء إجرائية، ولكن تطبيق القانون يفترض تفعيل المهمة الجديدة لهيئة الاستثمار ومراكز خدمة المستثمرين والمجلس الأعلى للاستثمار الذي حدده القانون، ومجلس الإدارة للهيئة، وتتجلى المهمة – بحسب الكفري – بوضع دليل إجراءات واضح مبسط ينجز من خلاله المستثمر كافة إجراءاته اللازمة له ضمن المهل الزمنية المحددة؛ واللافت في القانون توسيع المشاركة فيه عبر ممثلين عن معظم الفعاليات الاقتصادية، كالغرف الصناعية والتجارية. وأشار الكفري إلى ضرورة توزع مراكز خدمة المستثمر في كافة المناطق التي من شأنها المساعدة على جذب الاستثمار.
لا تخوف..
وبين الكفري أن القانون متطور عما سبقه من قوانين استثمار، إذ ميز في الإعفاءات بين مشاريع الإنتاج الزراعي والصناعي وبين المشاريع السياحية والخدمية، إذ وصلت في القطاع الزراعي والصناعي إلى 100%، بينما في نظيرتها وصلت لـ 50%، وبالتالي دحض التخوف من الانجراف باتجاه المشاريع السياحية أو الخدمية على حساب الإنتاجية المهمة لمرحلة إعادة إعمار سورية، ولكن الكفري شدد على ضرورة المتابعة الحثيثة من قبل الهيئة ومجلس الاستثمار كيلا نخرج عن روح القانون الهادف لزيادة الإنتاج وخلق فرص عمل وتطوير الاقتصاد الوطني.