د. محمد الحوراني يدعو إلى توعية الناشئة وتحصين ثقافتنا
استضافت ندوة “الليبرالية الحديثة – الأدب أنموذجاً” ضمن سلسلة الغزو الثقافي، في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب، وتطرقت الندوة التي أدارها الشاعر والإعلامي محمد خالد الخضر إلى مصطلح الليبرالية الحديثة وانعكاساتها على المجالات كلها التي تصبّ في مصلحة الصهيونية.
بدأ الحوراني بتساؤل: لماذا يتمّ التركيز على الليبرالية الحديثة خلال هذه الفترة؟ فيجيب بأن لقاء الرئيس بشار الأسد مع الدعاة في جامع العثمان ووزارة الأوقاف، وذكره “الليبرالية” وحديثه عن العروبة والإسلام الصحيح هو الذي جعل الباحثين يركزون على هذا الموضوع، وأوضح أن المصطلح ليس جديداً، إذ اشتغل عليه الباحثون منذ فترة طويلة خلال مراحل عدة، والليبرالية كلمة مترجمة عن الإنكليزية ويقصد بها الحرية المطلقة في الميدانين السياسي والاقتصادي، ثم انسحبت إلى الميادين الفكرية والاجتماعية والدينية.
وتابع من تلخيص أحد الباحثين المبادئ الأساسية لليبراليين الجدد، بأن أغلب مبادئها ترتكز على موقف عدائي من الدين والتراث والتاريخ الماضي للأمة، حيث تركزت تلك العريضة على الدعوة إلى محاربة الإرهاب الديني والقومي والمطالبة بإصرار لإصلاح التعليم الديني الظلامي، والتأكيد على إخضاع المقدس والتراث للنقد العقلي والعلمي وعدم الاستعانة مطلقاً بالمواقف الدينية التي جاءت في الكتاب المقدس تجاه الآخرين، واعتبار الأحكام الشرعية خاصة بزمانها ومكانها، وأن الفكر الديني حجر عثرة أمام الفكر الحر وتطوره، والتأكيد على نبذ الولاء للماضي أو الانغلاق عليه، وأنه السبب الحقيقي لضعفنا وانحطاطنا، والاحتكام إلى القوانين المعاصرة لا إلى التخيلات الماضوية أو الأساطير الظلامية.
أما المبادئ الأخرى فنصّت على ضرورة سيادة العقل وطرح الأسئلة على جميع المستويات، وركزت على قضايا السياسة والمجتمع، بالتأكيد على عدم الحرج من الاستعانة بالقوى الخارجية لدحر الديكتاتوريات وتطبيق الديمقراطية العربية، ولا مانع من أن يأتي الإصلاح من الخارج، إضافة إلى ضرورة التطبيع السياسي والثقافي مع الأعداء، ولا حلّ للصراع العربي مع الآخرين إلا بالمفاوضات السلمية والوقوف إلى جانب العولمة، وختم البيان الليبرالي بالمطالبة بمساواة المرأة مع الرجل مساواة تامة في الحقوق والواجبات والعمل والتعليم والإرث والشهادة.
ووجد الحوراني التوافق الكبير بين أطروحات رموز هذا التيار وما جاء في عريضة المبادئ الليبرالية. ثم توقف عند البيان الأممي ضد الإرهاب الذي أعدّه نخبة من الليبراليين العرب، وهم: العفيف الأخضر وجواد هاشم وشاكر النابلسي، وحثّ على ضرورة الإسراع بإنشاء محكمة دولية تختص بمحاكمة الإرهابيين. وقد حفل البيان بالتناقضات والمغالطات جعلته مرفوضاً حتى عند الأجيال الليبرالية العتيقة إضافة إلى النقد من المثقفين العرب، في حين عدّه بعضهم حصان طروادة لتنفيذ سياسة الشرق الأوسط الكبير.
تخريب الوعي العربي
ثم انتقل الحوراني للحديث عن دور الليبراليين الجدد في تخريب الوعي العربي، فانتشار مواقع إلكترونية وفضائيات ووسائل إعلام أخرى ومؤسّسات تحمل أسماء ثقافية أو جغراستراتيجية، كلها تصبّ في تدمير الشعوب والبلدان العربية، وهم يتلقون الدعم الواسع من حكومات خليجية تتسابق معهم في التطبيع متعدّد الأشكال مع الكيان الصهيوني، كما أثبتت الوقائع تسلم المشهد السياسي من جانبها إلى ما يخدم المصالح الغربية، مستحضراً كتاب الكاتب العربي بلال الحسن بعنوان “ثقافة الاستسلام”، فكتب “يبدو في ظاهره ثورياً وراديكالياً وحداثياً، لكنه في العمق مغرق في الرجعية وفي الدعوة لتدمير الذات، ليخلص الحوراني إلى أهم الأسس الليبرالية الجديدة التي تكرس ثقافة الاستسلام والتخاذل والتخادم مع العدو السياسي والطبقي والاجتماعي. وبأن فضح هذه المجموعة مهمّة واجبة تقتضي العمل عليها، والدعوة إلى خطاب جديد ونضال كفاحي من أجل الإنسان والمستقبل”.
وبعد الشرح النظري لليبرالية الجديدة أو الحديثة، تطرق الحوراني إلى الموضوع من خلال أحداث واقعية ومن وحي مشاهداته، وما فعله رياض سيف من جماعة ربيع دمشق وكمال اللبواني ورضوان زيادة واشتغالهم مع بعض التيارات الإسلامية، وكيف تسربوا إلى بعض المؤسّسات الثقافية والتربوية والثقافية بمحاولات فاشلة.
حالات دخيلة
وقد حفلت الندوة بمداخلات، إذ تقاطع حديث الحوراني مع الأديبين رياض طبرة والأرقم الزعبي. وتحدثت الأديبة هيلانة عطا الله بأن أية حركة إذا لم تنشأ من صلب المجتمع ومن ثقافته، لتنتقل فيما بعد من الحالة الثقافية إلى الحالة السياسية والاقتصادية فلن تكون لها نتائج سليمة على البلد، ونحن في سورية صدّروا إلينا ليبرالية ثقافية في تسعينيات القرن الماضي، والرئيس بشار الأسد لم يمانع وجود نواة معارضة وطنية حقيقية، ولكن للأسف سقط هؤلاء الذين يدّعون أنهم يعارضون. وبيّن الأديب سامر منصور أن تيار الليبرالية الحديثة الوطنية لمصلحة حضارتنا ووطننا اضمحل وتلاشى وأدى إلى حالات دخيلة مشبوهة تخدم الآخر ولا تخدمنا، ودعا بكور العاروب إلى تبني مشروع وطني يتماهى مع ثقافتنا وحضارتنا ووطننا، والاشتغال على مشروع المواطنة.
وعقّب الإعلامي خالد الخضر بأن هناك أدباء تبنوا هذا التيار وتغلغلوا بالمشهد الثقافي، وعلينا الانتباه والتحصين جيداً بتعاون وتلاقي جميع المؤسسات.
واختتم د. الحوراني الندوة بالتشديد على ضرورة الاشتغال على الناشئة وتوعيتهم وتحصين ثقافتنا وتربيتنا والاستفادة من الأخطاء، وإلا سنقع بعد سنوات عدة بأزمة جديدة وسيعود الليبراليون الجدد بأساليب شتى.
ملده شويكاني