“بعد عدة سنوات”.. فكرة واقعية وإخراج جيد
عندما تكون البداية في أي عمل، أكان أدبياً أم فنياً أو اجتماعياً، صحيحةً لابدّ أن نصل للنهايات المثمرة التي نريدها ونتمناها، وهذا ما فعلته مؤسّسة الإنتاج التلفزيوني في وزارة الإعلام في اختيارها النص الجيد والمخرج المجتهد والممثل الناجح، فكان حصادها مثمراً وموازياً لحجم العطاء والجهد المقدمين. إذ عرضت شاشاتنا الوطنية خلال الشهر الفضيل مسلسل “بعد عدة سنوات” على مدار ثلاثين حلقة تأليف بسام جنيد وإخراج عبد الغني بلاط، وقد لامس العمل في فكرته البسيطة همومنا المعيشية في فترة ما قبل الأزمة التي شهدتها البلاد من خلال سرد تفاصيل العمل عبر بطله معروف (سعد مينه) والممثلة (ديمة قندلفت) المدوّنة لأحداث العمل، وما آل إليه مصير عائلة “أبو نورس” التي دارت أحداث العمل في حلقاته الثلاثين حولها.
العمل اجتماعي تناول الصراع بين الخير والشر، وكذلك الصراع بين القيم والمبادئ النبيلة والقيم السلبية في المجتمع، باعتبار أن القيم هي التي تضبط السلوك الإنساني بكل تفاصيله، وكذلك العلاقات الاجتماعية بين أبناء المجتمع أو العائلة والمشكلات الناتجة عن غياب أحد الوالدين عندما ماتت أم نورس وهي تنجب ولدها مازن، وكيف تولّت الأخت أميرة (روبين عيسى) زمام الأمور بدلاً من والدتها، فكانت الأخت الحنون وبمثابة الأم والصديقة والمربية لأولاد أخواتها والاهتمام برعاية والدها (علي كريم)، لكن الصراع بدأ يتصاعد عندما تفرّق الأشقاء، وبدأت الظروف الحياتية تضغط عليهم، إضافة لممارسة زوجاتهم الأدوار المتناقضة بين السلبي والإيجابي.
العمل عرض حياة أسرة وصراع الأشقاء، فجمال (ميلاد يوسف) هو إنسان عصامي صنع نفسه بنفسه واستطاع عبر جهده تأسيس أسرة نموذجية رغم سوء الحالة المادية له، لكنه يتحوّل من صاحب مكتبة إلى عامل باطون أو نجارة، وباتت المسافة بعيدة بين الكتاب ومتلقيه في زماننا الحالي، حيث أصبح لا قيمة للعلم والقراءة!.
وجاء في محور العمل فكرة الابتعاد بين الزوجين نورس وهدى وآثاره السلبية على الأسرة والأولاد، وماذا نتج عنه وما سلوك الابن المشين تجاه أبناء أعمامه. وكذلك الحال بالنسبة لابنة معروف مريم التي رفضت واقع والدتها وعلاقتها الزوجية نتيجة طيبة قلبها، وقبولها بأن يعود زوجها معروف لحبه الأول هند، الأمر الذي شكّل ردة فعل سلبية وباتت العلاقة التي تربطها بوالدها ضعيفة ووصلت في بعض المشاهد إلى أنها قامت بنقل أخبار سيئة عنه.
أيضاً عرض العمل فكرة الصديق سامر (محمد حداقي) وسلوكه غير المستقر في علاقاته مع أصدقائه، وكيف حاول أن ينال من هلين (رنا العظم) أثناء وجود خطيبها جمال في السجن، ومن ثم كيف تمكن من الزواج من هدى بعد طلاقها من زوجها نورس، فكانت نهايته الانتحار بعد أن أحبّ ابنة الدكتور معروف رغم الفارق الكبير في العمر بينهما.
كانت هناك جوانب إيجابية عرضها العمل، أهمها الوفاء للعشرة والجيرة وللخبز والملح الذي جمع أبو نورس وصانعه ضياء (كرم شعراني) وزوجته (علا باشا) وما قدماه من ولاء ووفاء لأفراد العائلة.
لم يأتِ الكاتب بأفكار ومحاور العمل من خياله، بل هي من واقعنا وهمومنا اليومية التي نعيشها، وأجمل ما يشعر به المشاهد أن تتحدث عن همومه وأوجاعه ومشكلاته، لتنجح كاميرا المخرج عبد الغني بلاط في توظيف مقدرات شخوصه بحرفية عالية بعيدة عن حالات الشطط والمبالغة، فقدّم صورة واقعية لحياتنا اليومية بطريقة سلسة وجدت إقبالاً عند جميع من تابع العمل، وإن كنّا نتمنى ألا تكون نهاية العائلة بهذه الطريقة البشعة، والتي توقعناها أن تعيد نورس إلى صوابه وتنقيه من نوازع الشر والضغينة تجاه من بقي من عائلته.
مهند الحسني