بين إنكار الخارج واستحقاقات الداخل
أحمد حسن
كم كان معبّراً وذي دلالة بالغة أن يتزامن العدوان الأوروبي الجديد – وفرنسا رأس حربته – على الشعب السوري والمتمثّل بتجديد العقوبات الجائرة عليه لعام آخر، مع ذكرى العدوان الفرنسي الغادر على الشعب ذاته عام 1945 عبر استهداف مقرّ سلطته التشريعية بنيران الطائرات والدبابات.
وإذا كان التزامن المذكور يشي أولاً بعدم قدرة دول الاستعمار القديم، والجديد، على الخروج من عقلية الناهب السارق المستدام!!، فإنه يوضّح ثانياً أن هدفه في الحالتين كان واحداً: تقويض الدول الوطنية، سواء في بدء تشكّلها، أو بعدما اشتد عودها، وبالتالي منع الشعب السوري من ممارسة حقه الطبيعي في الاستقلال، الفعلي لا الشكلي، كما يؤكّد ثالثاً على أن المعركة معه لم تنته بعد إلا في عقول الضعفاء والمستسلمين.
وبالطبع، فإن الرد الوحيد، والمجدي، في الحالتين، القديمة والجديدة، يكون بمنع هذا الخارج من تحقيق هدفه من العدوان – لا يمكن فعلياً منع العدوان بحد ذاته – والنجاح في ذلك يكون بامتلاك أسس وأسباب المقاومة له، أو على الأقل العمل الجدّي لتأمينها وهذا ما يستلزم وضع شعار “الأمل بالعمل” في الخدمة الفورية الدائمة، وليس اعتباره، من قبل البعض، شعاراً لمرحلة انتخابية عابرة.
وبالتأكيد، فإن “العمل” المطلوب هنا يجب أن يتمّ على مسارات ثلاثة: أولها خارجي، وثانيها داخلي، وثالثها ميداني، وهي، بطبيعتها، مسارات متشابكة ومترابطة، بمعنى أن التقدم في أي منها يعني التقدم في الاثنين الباقيين، أو، على الأقل جعل الحركة، فيهما أسهل، فيما التراجع في إحداها يعني التراجع في الاثنين الباقيين أيضاً.
وإذا كان الكلام في المسار الميداني أصبح نافلاً بمعنى أن رجاله، وأصحاب الفعل، أغنونا وأغنوا الجميع عن الخوض فيه – ولديهم الكثير مما سيقولونه لاحقاً وقريباً – فإن المسار الخارجي يبدو في هذه المرحلة، وفي كل مرحلة، تبع للمسار الداخلي بذات القدر الذي يبدو فيه مستقلاً عنه، وتلك معادلة تبدو معقّدة للوهلة الأولى بقدر ما هي سهلة وواضحة للغاية.
فسريعاً، وإن كان ليس في وقت قريب للغاية، سيدرك الخارج، ومعظمه يدرك منذ الآن، أن انكاره للواقع السوري الجديد يشكّل بالنسبة له استنزافاً في الوقت والجهد بلا طائل ولا نتيجة فعلية – قرار منظمة الصحة العالمية انتخاب الحكومة السورية في مجلسها التنفيذي أحد هذه الإدراكات – فيما تتيح سورية، بإدراكها الدقيق لمسارات الحرب والسلم، الفرصة لـ “توبة” البعض – وإن كانت تعرف فعلياً أنها ليست توبة نصوحاً – لكنها على الأقل ستكون، بملاقاة القيادة السورية لها، باباً موارباً لعودة “الابن الضالّ” أو المضلّل، و”الشقيق” التائه، والواهم، أو المغلوب على أمره، والعدو الذكي الذي يعرف أن من الأفضل له الاعتراف بخسارة هذه الجولة والاستكانة للحقيقة السورية التي أوضحتها هذه الانتخابات.
يبقى المسار الداخلي وفيه كلام كثير يثير بعضه تحوّل الحكومة الحالية – وفق نص الدستور – إلى “حكومة بحكم المستقيلة” عند انتهاء ولاية رئيس الجمهورية – وهي حكومة، لظروف متعددة، ولأسباب موضوعيّة، وبنيويّة، و”تقصيريّة”، لم تتمكن من بلورة مواجهة فعّالة مع ثلاثي العقوبات والفساد ونتائج الحرب الطويلة الأمد – لكنه، أي الكلام، لن ينتهي قطعاً بتشكيل أخرى جديدة قد لا تجد من “يبكي” عليها إذا استمرت بالعمل وفق القواعد السابقة ذاتها.
بهذا المعنى يجب البدء من هذه اللحظة بوضع شعار “الأمل بالعمل” في الميدان فوراً، والابتعاد عن “سين” و”سوف” القاتلتين، بل واعتبار كل استخدام لهما بهدف التسويف والمماطلة، أو للشعار ذاته بهدف “التغطي” به، هو أمر معاقب عليه قانوناً، ويستلزم، على الأقل، عزل المسؤول عن منصبه فوراً باعتباره سبباً رئيساً في إطالة أمد الأزمة.
وبالتأكيد، فإن نجاح هذا الشعار، الأمل، لن يكون ممكناً إلا بتوافر جملة شروط أصبحت معروفة من كثرة ما تم التداول بها وتفنيدها، والمهم الآن هو البدء بتوفير أسباب اكتمالها، فإذا كانت مسيرة الألف ميل تبدأ عند الجميع بخطوة، فكيف بشعب فاعل ومنتج وحيّ كالشعب السوري سبق له أن مشى خطوات طويلة على هذا المسار؟؟!!.