الكفؤ والتكافؤ
د. نضال الصالح
الكفؤ والكفيء والكفاء، لغةً، الندّ والمثيل والنظير، وممّا يحفُّ باللفظ من المعاني: الصنْوُ، والقِرْنُ، والعِدْلُ. والجمعُ: أَكْفَاء، بفتح الفاء وحده وليس بالفتح والتشديد كما هو شائع في لغة مَن لا يميز في اللفظ همزة القطع من نقيضها الوصل. ومن بديع العربية أنّ المثيل هو المشارك في صفات الآخر جميعاً، على حين أنّ الشبيه هو المشارك في الأغلب منها، وأنّ النظير هو المشارك في قليلها.
ما سبقَ أقلُّ مِن غيضٍ في فيضِ معاجم اللغة، وضدّه هو الفيض في الواقع، أو يكاد يكون كذلك، لكأنّه، أي الواقع، يستعيد ما انفرد به معمّر بن المثنّى من معظم اللغويين في كتابه “مجاز القرآن” بالقول إنّ الكفؤ يعني الضدّ أيضاً، ويلحنُ بألف تأتأة من ألف صورة من الصور الدالّة على هذه التأتأة في غير حال وغير شأن.
ومن بعض تلك الصور، وممّا هو من تقاليب الكفؤ، ما يعني الكفاءة في المهمة التي يمكن أن تُسند إلى أحد لا يقوى على حمل مجازها، وما قال به الدين من الكفاءة بين المرأة والرجل في الزواج، التي تبدو في الواقع محكومة بثقافة غالب ومغلوب، باستثناءات لا ترقى إلى مرتبة الظاهرة، ولاسيما ما يعني المرأة في المجتمعات المفوّتة حضارياً، والتي غالباً ما تجد نفسها أسيرة مؤسسة قاهرة وسالبة لإرادتها في أن تكون إنساناً قبل أن تكون أنثى.
والتكافؤ لغة مصدر الفعل تكافأ، ويعني المساواة، وفي الفلسفة تساوي الحدود أو القضايا منطقياً، أمّا في البلاغة فيعني الجمع بين ضدّين، وفي الكيمياء العددُ الذي يشير إلى قدرة عنصر كيميائي على الاتحاد مع عناصر أخرى… أمّا في الواقع فغالباً ما يعني غير ما يعنيه فيما سبق، وسواه، جميعاً، ومن ذلك ما يُصطلح عليه بتكافؤ الفرص الذي يوصف بأنه اشتراطٌ ينصّ على أنّ الناس جميعاً يجب أن يُعاملوا بالمثل من دون أيّ تحيّز أو إجحاف أو تعصّب أو محاباة أو تحامل أو حُكم مسبق.
وممّا يرطن به الواقع في هذا المجال ثقافة الإقصاء والتهميش للكفاءات، التي تزداد تقيّحاً يوماً بعد يوم في غير شأن، وعلى غير مستوى، والتي تحكم وعي بعض مَن جاؤوا، أو جيء بهم، إلى مواقع المسؤولية، الذين يؤثرون المصفّقين لهم، بدلاً من بحثهم عمّن هو الأكثر كفاءة ليكون ضمن فريق العمل معهم، مهما كان من أمر الموقف الشخصيّ منهم، ففي المجتمعات والدول التي تريد أن يكون لها مكان تحت شمس العصر والحياة لا إرادة لما هو خاصّ، بل لما يُعلي من شأن هذه المجتمعات والدول مهما يكن من أمر الاتفاق أو الاختلاف مع هذه الكفاءة أو تلك على المستوى الشخصيّ.
إنّ ندرة فحسب ممّن هم على رأس هذه المؤسسة أو تلك في عالمنا العربيّ هي التي تخلص لثقافة الكفؤ والتكافؤ، ولو كانت هذه الندرة هي القاعدة بدلاً من كونها الاستثناء، لكان للواقع العربي قولٌ آخر غير هذا المدجج بغير هزيمة، ووجع، وانكسار.
وبعدُ، وقبلُ، فمن بهيّ ما جاء في كتاب “نفحُ الطيب” قول مؤلفه، المقرّي، إنّ الكفؤ هو الكريم، أي ما يعني الكرامة، وهذه القيمة هي التي تمنع الكرام من الازدحام على باب أحد.