أميركا والدعم اللا محدود للكيان الإسرائيلي
محمد نادر العمري
قد لا يدرك كثير من المتابعين للسياسة الخارجية الأميركية وحتى المواطنين الأمريكيين أسباب دعم واشنطن “الأعمى وغير المحدود” للكيان الإسرائيلي منذ نشأتها قبل 70 عاماً. ويعرض الكثير من الخبراء والأكاديميين نظريات تحلل وتفسر لهذا الدعم النادر في خريطة العلاقات الدولية، ويرجع بعضهم ذلك إلى الترابط الديني بين الصهيونية والبروتستانتية، أو للتحالف القائم على المصالح الإستراتيجية بينهما، أو لدور اللوبي وجماعات اليهود الأميركيين.
ولكن جامعة بوسطن وضمن عمل بحثي لها وجدت أن هناك بعداً آخر أكثر أهمية وربما يفسر كل الأسباب السابقة، ويتعلق بحجم شعبية “إسرائيل” في الولايات المتحدة، والتي تزيد على شعبية الرئيس الأميركي، حيث كشفت استطلاعات للرأي تجريها مؤسسة “غالوب” بصورة دورية سنوية منذ 1975 أن شعبية “إسرائيل” تزيد على شعبية الرؤساء الأميركيين.
وأظهر استطلاع أجرته المؤسسة خلال الفترة من (3 إلى 18) شباط 2021 أن شعبية “إسرائيل” تبلغ 75% وهي ثاني أعلى نسبة بعد نسبة 79% المسجلة في عام 1991 أي بعد حرب الخليج.
وتزيد نسبة تأييد “إسرائيل” بين الأميركيين هذا العام على نسبة تأييد الأميركيين للرئيس جو بايدن، حيث بلغت نسبة التأييد له ولسياساته 53% مقابل معارضة 43% طبقاً لاستطلاع أجرته شبكة “سي إن إن” بين 21 و25 من نيسان 2021.
ويرى بعض الأكاديميين والمختصين في العلاقات الدولية داخل الجامعة وبناءً على هذه الاستطلاعات التي شكلت قاعدة بيانية للبحث، أن التأييد الشامل يضر بالمصالح الأميركية في الوقت الذي لا تكترث فيه “إسرائيل” بمصالح واشنطن، بل وتحاول الأولى جر الأخيرة نحو حروب استنزافية لصالح بقاء وضمان أمن “إسرائيل”.
ويستشهد بعض الأكاديميين بما اقترفته “إسرائيل” في حق الولايات المتحدة مثل تدمير المدمرة “ليبرتي” في ستينيات القرن الماضي، مروراً بتسريب أسرار عسكرية وتكنولوجية أميركية، إضافة للتجسس على الجيش الأميركي نفسه في عدة مناسبات، ورفضها التوصل لجهود واشنطن لسلام في الشرق الأوسط، وإبقاء المنطقة على حافة الصراع المستمر، وهو ما يضر بالمصالح الأميركية.
وبطبيعة الحال بات التباين يختلف من حيث دعم الأميركيين للكيان الإسرائيلي وفلسطين بشكل كبير طبقاً لطبيعة مجموعة عوامل بما في ذلك الانتماء الحزبي، وذلك على الرغم من أن النظرة إلى “إسرائيل” نظرة إيجابية من قبل أغلبية جميع المجموعات الحزبية على مدى العقدين الماضيين على الرغم من أنها تتلقى باستمرار درجات أعلى من جانب الجمهوريين.
وفي آخر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب”، رأى 85% من الجمهوريين “إسرائيل” بشكل إيجابي، مقارنة بـ77% بين المستقلين و64% بين الديمقراطيين.
وكشفت استطلاعات مؤسسة “غالوب” أنه من المرجح أن يكون الأميركيون الأكثر تديناً من حيث حضور القداسات في الكنائس أكثر موالاة للكيان.
وعبر 71% ممن يحضرون الشعائر الدينية عن دعمهم لـ “إسرائيل” وليس للفلسطينيين، في حين أن النسبة بين أولئك الذين لا يشاركون في القداسات كانت قد بلغت 49% فقط.
وكشف استطلاع “غالوب” تأييد 34% فقط من الأميركيين لضرورة ممارسة المزيد من الضغوط على الإسرائيليين، حيث يعتقد أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين أن السلام الفلسطيني الإسرائيلي مهم إلى حد ما أو مهم جداً للولايات المتحدة.
إن دعم الجمهوريين لـ “إسرائيل” ثابت في جميع أسئلة “غالوب” للمشاركين، حيث يتعاطف 80% من الجمهوريين مع الإسرائيليين أكثر من الفلسطينيين وتريد أغلبية قوية من الولايات المتحدة أن تضغط أكثر على الفلسطينيين في المفاوضات، وأقل من نصفهم يفضلون إقامة دولة فلسطينية. وينظر 66% من الديمقراطيين إلى “إسرائيل” نظرة إيجابية، لكن الثلثين يؤيدون أيضاً إقامة دولة فلسطينية، ويتعاطف أقل من نصفهم أكثر مع إسرائيل في النزاع.
في حين تؤكد الدراسة البحثية إن رؤساء الأميركيون يكررون في اجتماعاتهم مع قادة اليهود الأميركيين أنهم لن يفرضوا حلاً للصراع، ولن يقدموا على فرض حل على الإسرائيليين، ويؤكدون فقط أن دورهم يتمثل في عرض خطوط عريضة للتفاوض، وهذا التأكيد أيضاً يضر بمصالح أميركا لأنها تعلي مصالح “إسرائيل” على المصلحة الأمريكية، وبخاصة إنه من مصلحة واشنطن في حال أرادت الحفاظ على هيمنتها الدولية أن تكون قريبة من الجميع وليس من طرف ضد طرف.
يمثل العامل الديني حجر الأساس الأهم في مصادر الدعم لـ “إسرائيل” داخل الولايات المتحدة، وتؤمن الكثير من الجماعات الإنجيلية بضرورة التعجيل بسيطرة “إسرائيل” الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة إيماناً منها بأن هذا يسرع من عودة المسيح الثانية.
وذكر “والتر راسيل ميد” الباحث بمجلس العلاقات الخارجية خلال محاضرته بمنتدى بوسطن “أن التأييد الأميركي البروتستانتي لليهود وإسرائيل وجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأميركية الناشئة وقبل أن تتأسس دولة إسرائيل”. ويرى أن الأميركيين الأوائل من المتدينين البروتستانت كانوا يؤمنون بأنهم شعب مختار، وأن مسيحيتهم هي المسيحية الأفضل والأصح وأن تأسيس الدولة اليهودية في “إسرائيل” يثبت أنهم شعب مختار أيضاً مثل اليهود وأن الرب يبارك أميركا وأنهم مباركون من الرب، وأن نجاح الإسرائيليين هو نجاح للأميركيين.
وتوصلت الدراسة لنتائج أبرزها أن لدى الرئيس الحالي جو بايدن الفرصة لتبني مقاربة عادلة وأنه يجب أن تتبني أميركا سياسة أكثر عدلاً بين أطراف النزاع.