الموشور السوري.. من جديد
قسيم دحدل
اليوم، وبعد إنجاز الاستحقاق الدستوري بهذا المستوى الحضاري، ديمقراطياً وقانونياً وتنظيمياً، وإعادة انتخاب القائد بشار الأسد رئيساً للجمهورية العربية السورية، يتأكد أن “الأمل بالعمل” الذي اتخذه سيادته عنواناً عميقاً لمرحلة كبرى، لم يكن مجرد شعار، بل حقيقة لما كان طرحه سابقاً – قبل الحملة العالمية الإرهابية على سورية- ليس على المستوى الداخلي الوطني فقط، بل وعلى المستوى العربي والإقليمي والدولي، والدليل إعادة إحياء ما حاول المحاولون وأده، وهو المشروع الإنساني الاجتماعي التنموي بأبعاده الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية، والتي يدلّ عليها اسمه: “ربط البحار الخمسة”.
ربط وتشبيك تدلل على إمكانية إحيائهما معطيات ومؤشرات عديدة آخذة بالتبلور، سيأتي وقت المجاهرة بها، وسيكون المفاجئ من العيار الثقيل، وما كان قبلاً شبه مستحيل، سيصبح عاجلاً أم آجلاً حقيقة واقعة، وكل ذلك بفضل ما راهن ويراهن عليه الرئيس الأسد من “أمل وعمل”، يتعديان حدود الوطن، حيث دفعت سورية والسوريون ثمناً كبيراً وغالياً كُرمالهما وكُرمى الإنسانية والحضارة والتقدم والرفاهية لشعوب ودول المنطقة والعالم.
والصمود الأسطوري والتضحية الكبرى لسورية سيُعيدان رسم النظام العالمي الجديد، بعد أن استطاعت المقاومة السورية كسر أُحادية القطب والهيمنة الغربية، وإفشال مشاريع سياسية واقتصادية وتحالفات عالمية كبرى، كانت محضّرة وتحضّر تحت عنوان “الشرق الأوسط الجديد”، عبر وسائل وأدوات “الربيع العربي” الأسود، ويُسجّل للسوريين وقيادتهم الحكيمة أن تلك المشاريع والمخططات هُزمت على أسوار دمشق.
ولأننا استطعنا، وصنعنا بشرف، الانتصار لنا ولغيرنا من حلفاء وأصدقاء، سيكون لنا حق الريادة في السيادة وحق تقرير المصير والدور للمنطقة، وستكون سورية قبلة، بعد أن أظهر الموشور السوري للعالم أجمع الخيط الأسود من الأبيض.
أمام هذا كل “الأمل بالعمل” وآفاقه الواعدة، ليس مصادفة أن تتكشف المواقف المزمنة لبعض العرب في ضرب أي نوع من التكامل الاقتصادي العربي؛ مواقف لطالما حاول هذا البعض إخفاءها حتى وضعت أمام الموشور السوري، لتتكشف من خلاله تلك التلونات التي دأب أصحابها على إظهارها باللون الأبيض.
والآن من باب العبرة والاعتبار لمن لم يعتبر حتى اللحظة، يحق التساؤل حول مصداقية تلك الإستراتيجيات التي بُحثت في أكثر من قمة اقتصادية واجتماعية عربية، سعياً لتنفيذ الأهداف التنموية والمستدامة للدول العربية، وبالتالي لشعوبها، وإلى أين وصلت، وكيف أصبحت، ولماذا لم يتحقّق شيء يذكر منها على أرض الواقع؟ لنصل إلى السؤال الأكبر، وهو: هل خدمت وتخدم الأحداث الجارية، بتداعياتها، المشروع الاقتصادي العربي؟ فالسوق العربية المشتركة لا تزال مجرد حلم وتنفيذ قرارات القمة العربية الاقتصادية التي عُقدت في الكويت عام 2009، والقمة الثانية التي عُقدت في شرم الشيخ عام 2011، وتطبيق الاستراتيجية السياحية العربية، وبحث الأمن المائي العربي، والاستثمارات البيئية ونوعيتها وأهدافها، لا تزال مجرد حبر على ورق، حبر لم يتعدَ أيضاً ورق الإعداد للقمة الاقتصادية الثالثة التي كانت عُقدت في الرياض عام 2013، وما تلا ذلك.
مقابل هذا الواقع والمشهد العربي العقيم اقتصادياً وتنموياً، كانت طرحت سورية برؤيتها الاستباقية والمستقبلية للأحداث والتطورات والمخططات التي تُحاك، مشروع ربط البحار الخمسة ليكون المحرك لترجمة كل تلك الآمال والطموحات الاقتصادية، إلّا أن ترصّد البعض، المرتبط قراره ومصيره بالعقلية الغربية الاستعمارية، والذي دأب على إجهاض أي محاولة لنهضة اقتصادية عربية، واجه هذا المشروع الذي لو توفر له المجال الحيوي سياسياً وحضارياً وثقافياً لغيّر وجه المنطقة العربية والإقليمية وحتى العالمية.
وما يستعصي على المنطق وحتى على مبدأ المصالح المشتركة أن يواجه التشبيك الإقليمي، بدءاً من سواحل المتوسط وليس انتهاءً بإيران، بتلك الشراسة التي لم تستثنِ شيئاً حتى الفكر، في سبيل تدمير أية خطوة نهضوية اقتصادية وعلمية وتكنولوجية، تنهض بالشرق الذي شكّلت وتشكّل سورية صدره وبوابتيه نحو الشرق والغرب، في الوقت الذي تعلن طهران أن لا حدود لتطوير العلاقات مع سورية، وحتى مع كل الدول العربية.
طموحات وطنية تؤسّس لمجال اقتصادي وسياسي عربي وإقليمي ودولي يصل إلى قلب “البريكس” و”الألبا”، ومع ذلك، قُوبِلَتْ بذلك الكمّ والنوع من الاستهداف الذي أسقط أقنعته الموشور السوري وفضح غاياته القريبة والبعيدة، وها هي القافلة السورية تنهض من جديد وتسير بـ”الأمل والعمل” للمصير الذي نريد..، والأيام بيننا.