العنصرية تمزّق المجتمع الأمريكي
طلال ياسر الزعبي
على خلفية التصاعد الرهيب للأحداث العنصرية في المجتمع الأمريكي، بالتزامن مع انتشار كثيف للسلاح في أيدي المواطنين الأمريكيين، بفعل التساهل الشديد للإدارات الأمريكية المتعاقبة مع ظاهرة انتشار السلاح، وخاصة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الذي أصرّ على منح أصحاب البشرة البيضاء حق حيازة السلاح بشكل كبير، بدأت الأصوات تتعالى داخلياً بضرورة وضع حدّ لظاهرة انتشار الكراهية، التي باتت تهدّد بانشقاق شاقولي في المجتمع الأمريكي الذي يعاني أصلاً من ميراث طويل من الممارسات الوحشية بدأ مع إبادة الهنود الحمر أصحاب البلاد الأصليين في أشدّ حروب الإبادة ضراوة وقساوة على مر العصور، حيث تمّ التخلص من ملايين الهنود الحمر ونشر الأوبئة والسموم بينهم، والاستيلاء على أملاكهم وأراضيهم التي بنيت الإمبراطورية الأمريكية على أنقاضها، فضلاً عن التاريخ القريب الذي تعرّض فيه الملايين من أصحاب البشرة السمراء ذوي الأصول الإفريقية لأبشع أنواع التمييز العرقي، ولا تزال آثار التمييز العنصري الذي يمارسه المتطرّفون البيض ضدّ هؤلاء ماثلة في المجتمع الأمريكي وتحرّك بين الفينة والأخرى التظاهرات المندّدة بالممارسات العنصرية ضدّهم، التي كان آخرها التظاهرات الحاشدة التي شهدتها مدن أمريكية في الأسبوع المنصرم تنديداً بحادثة قتل جورج فلويد على يد شرطي أمريكي من البيض في العام الماضي بدم بارد.
هذه الممارسات العنصرية التي تجتاح الدوائر الرئيسية في الحكومة الأمريكية، وخاصة جهازي الشرطة والجيش، دقّت ناقوس الخطر فيما يخص التداعيات المحتملة على حالة الاتحاد، وخاصة بعد تصاعد المطالبة باستقلال بعض الولايات في عهد ترامب الذي أجّج إلى حد كبير الشعور القومي لدى جميع القوميات التي تتكون منها الولايات الأمريكية وخاصة لدى العرقين الأحمر والأسمر.
هذا الأمر هدّد من جهة ثانية الحزب الديمقراطي الذي يضم في صفوفه عدداً لا بأس به من الأقليات، ما أثار رغبة كبيرة لدى منظري الحزب الديمقراطي في احتواء هذا المشهد الذي ينذر بتفكك الحزب ذاته وصولاً إلى إمكانية نشوب حرب أهلية تغذيها النزعات العنصرية، وخاصة بعد تصاعد العنف والجريمة المنظمة في المجتمع.
كل ما سبق دفع الرئيس الأمريكي، جو بايدن إلى وصف “حركة تفوّق العرق الأبيض” بالإرهابية في آخر تصريح له في هذا الشأن، حيث قال: إن تهديدها أكبر تهديد إرهابي للولايات المتحدة، وليس تنظيم “داعش” وتنظيم “القاعدة”.
وجاء في كلمة ألقاها في مدينة تولسا بولاية أوكلاهوما: “وفقاً لمعلومات الاستخبارات، فإن النشاط الإرهابي لحركة تفوّق العرق الأبيض هو اليوم التهديد الأكثر فتكاً بالوطن، ليس “داعش” ولا القاعدة، ولكن حركة تفوّق البيض”، موضحاً أن “الكراهية تختبئ فقط، ولكن إذا منحتها كمية صغيرة من الأوكسجين، فإن ذلك يؤدّي إلى ظهور قادة، وتخرج من مخبئها”.
وبالتزامن مع ذلك قالت مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: إن الرئيس السابق ترامب، أبلغ مقرّبين منه أنه يعتقد أنه سيعود إلى البيت الأبيض بحلول آب المقبل. ومعلوم أنه اعتمد على هذه الحركة في الانتخابات الأخيرة وكان على وشك تفجير الشارع الأمريكي لولا قيام الحزب الجمهوري برفع الغطاء عن تصرّفاته.
وبالتالي فإن الصراع الذي يجري في الكواليس لا يجري فقط بين رئيس حالي ورئيس سابق، وإنما هو صراع عميق يخفي في طياته نفَساً عنصرياً متصاعداً داخل الولايات المتحدة بين الحزب الجمهوري، الذي يضم أغلبية من أصحاب البشرة البيضاء الذين يعتقدون بنظرية التفوّق العرقي حسب بايدن، والحزب الديمقراطي الذي يتكون من الأقليات، وهذا الأمر يمكن أن يتطوّر إلى حرب أهلية بين أنصار الحزبين الوحيدين على الساحة، فهل يكون ذلك نواة لتفكك الولايات المتحدة وانهيارها وخروجها من النظام العالمي الجديد إلى غير رجعة؟.