أدوات أميركا.. تاريخ من الهزائم
محمد نادر العمري
ربما حتى يومنا هذا وبالرغم من كل ما شهده النظامين الدولي والشرق الأوسطي، لم تدرك دول كثيرة أو قادة حركات انفصالية أن التحالف مع الولايات المتحدة لا يمكن أن يحقق أهداف أولئك القادة ولا الأهداف التي أرادت الولايات المتحدة تحقيقها من دعم هذه الحركات المتحالفة معها أو تلك الدولة التي تتحالف معها، وللأسف يبدو أن بعض حكام الدول والحركات التي توظف نفسها ودورها لخدمة المصالح الأميركية لا يقرؤون تاريخ الحروب الأميركية أو يعرفونه لكنهم يتجهون للمراهنة على التحالف مع هذه القوة الاستعمارية ضد شعوبهم لاعتقادهم أنهم كأفراد ومجموعات سيكسبون في كلتا الحالتين الهزيمة أو الانتصار بفضل أميركا.
ويشهد تاريخ الحروب الأميركية المباشرة والهادفة لدعم الحركات التابعة لها على سلسة الهزائم في سجل الولايات المتحدة، بل أيضاً هزيمة الحركات التي وظفتها الاستخبارات الأميركية لخدمة المصالح الأميركية، وهناك الكثير من هذه النماذج أبرزها:
1- الحرب الأميركية على كوريا عام 1950 لمنع القيادة الثورية الاشتراكية في كوريا من استلام الحكم في البلاد، واستمرت الحرب ثلاث سنوات، قتل فيها الجيش الأميركي وعملاؤه، الذين جندتهم لتمثيل الشعب الكوري، مئات الآلاف من المدنيين، ودمّرت مدناً وقرى وأحرقت المحاصيل والموارد الغذائية خلال تلك السنوات من دون أن تحقق واشنطن أهدافها وبقيت محتلة للجنوب بقواتها في حين إنها لم تستطع احتلال الشمال رغم سياسات الحصار. فكوريا الديمقراطية باتت تتحوّل إلى دولة نووية ولديها ترسانة صاروخية قادرة على ردع أميركا وعملائها وتسعى إلى طرد القوات الأميركية من كوريا الجنوبية، ولديها تحالف مع الصين وروسيا.
2- إسقاط القيادة الثورية في كوبا حيث حاولت أميركا في عام 1961، عبر ما قامت به من خلال إرسال مرتزقة إرهابيين تتقدمهم قوات أميركية للاستيلاء على الحكم فتلقت هي وعملاؤها هزيمة وعادت أدراجها، وخابت مشاريعها في محاولات الاستيلاء على السلطة عبر الانقلابات أو سياسة التجويع والتركيع.
3- جندت المخابرات والقوات الأميركية في عام 1964 مجموعات من الفيتناميين لإسقاط القيادة الثورية في هانوي واحتلال كل فيتنام، واستمرت الحرب 11 عاماً تمكن خلالها الفيتناميون من هزيمة القوات الأميركية والقوات التي جندتها من الفيتناميين أنفسهم في مدينة سايغون التي حولها الاحتلال الأميركي في جنوب فيتنام إلى قاعدة للمرتزقة الفيتناميين، وفي عام 1975 فر الجنود الأميركيون وكذلك عملاؤهم من الفيتناميين بعد أن تكبدوا خسائر بشرية غير مسبوقة في تاريخ الحروب الأميركية، وفي النهاية هزم المشروع الأميركي وهزم عملاء أميركا.
4- في مطلع الألفية الجديدة شنت الولايات المتحدة حرباً مباشرة مع قوات الأطلسي لاحتلال أفغانستان وجندت مجموعات أفغانية متعاملة معها وفي النهاية لم تستطع واشنطن وحلفاؤها من دول الأطلسي والمجندون الأفغان من حلفائها المتعاملين معها تحقيق أهدافها حتى الآن، وكانت هذه الحرب التي قتل فيها مئات الآلاف من الأفغان هي أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها ودفعت فيها ثمناً باهظاً من الخسائر البشرية، وهاهي اليوم تبحث عن خروج آمن لقواتها من هناك.
5- بعد ذلك غزت القوات الأميركية بمشاركة قوات بريطانية وأوروبية العراق واحتلته عام 2003، وسقطت بغداد، وقررت المجموعة القيادية لإقليم شمال العراق، التي كانت متحالفة مع “إسرائيل” ومع الولايات المتحدة منذ عام 1962، استغلال ظروف الاحتلال الأميركي للانفصال عن العراق وتشكيل كيان سياسي مستقل، وأعلنت “إسرائيل” نفسها عبر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو عن دعمهما لهذا الانفصال، ولكن ما لبث أن هزم الشعب العراقي وقوى المقاومة هذا المشروع الأميركي الإسرائيلي وأنقذ بانتصاره على هذا المشروع كل فئات الشعب العراقي.
6- في عام 2006 فشلت الولايات المتحدة الأمريكية عبر الكيان الإسرائيلي من تغيير موازين القوى في المنطقة، وتنفيذ مشروع الفوضى الخلاقة التي نظّرت له وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت “كوندريزا رايس”، وهو ما أقره السفير الإسرائيلي في مجلس الأمن بأن هذه الحرب جاءت بطلب أمريكي لأهداف أمريكية ضد محور المقاومة.
وهاهو اليوم محور المقاومة بات أقوى وأكثر قدرة على تهديد الوجود الأمريكي في المنطقة، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها لشن الحرب الكونية منذ 2011 على سورية وجيشها وشعبها وقيادتها، حيث لجأت واشنطن والمخابرات الأميركية والإسرائيلية بداية إلى تجنيد تنظيمات مسلحة متعددة، ومن ثم أوجدت الظروف لنمو التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تجنيد بعض المجموعات الانفصالية، وقامت بتسليحها، بل أرسلت قوات أميركية نشرتها على الأراضي السورية لحماية هذه المجموعات، ومن المؤكّد أن الهزيمة التي لحقت بمشروع المجموعات المسلحة في إقليم شمال العراق، وكانت أكبر عدداً وعدة، ستلحق بكل من يراهن على دور الولايات المتحدة ضد شعبه ووطنه سورية، ولا شك أن تاريخ الحروب الأميركية على الشعوب يثبت أن القوات الأميركية ستتخلى عمن كانت تدعمه لأنها هذا ما فعلته مع عملائها.