خلفيات “معركة المعابر” الأمريكية
أحمد حسن
ما كادت “معركة” الاستحقاق الرئاسي السوري تنتهي على غير ما أراده فريق الحرب على سورية حتى بادر هذا الأخير إلى توجيه فوهة مدافعه – الدبلوماسية هذه المرة – نحو “المعابر الإنسانية”!!.. ليفتح بذلك معركة جديدة / قديمة في سياق حرب الإركاع والاستتباع التي يشنّها منذ أكثر من عقد كامل، والتي تصادمت فيها، ولا زالت، مصالح جيوسياسية واستراتيجية واقتصادية لمجموعة من الدول العظمى، والصغرى، استُخدم فيها خليط غريب جمع ما بين آخر ما توصلت إليه تقنيات حروب كسب العقول وتطويعها، مع أحدث إنجازات تكنلوجيا الأسلحة والاتصالات وما إلى ذلك، مع مجموعة غريبة من “فواعل” ما قبل الدولة التي ينتمي بعضها، فكرياً وتنظيمياً، إلى جحيم العصور الوسطى، بل وما قبلها، بامتياز.
وبالطبع، ليس أفضل من راية “اليافطة” الإنسانية ليخوض هذا الفريق معركته الحالية تحتها، فمشكلة سورية وشعبها تتمثّل اليوم، كما يريدنا أن نؤمن، بعدم كفاية المعابر الموجودة لإدخال المساعدات الإنسانية، وحلّ هذه المشكلة إذاً بسيط للغاية، تعالوا لنزيد عددها، وبالتالي سيكون كل شيء على ما يرام.
والحق، فإن هذا كلام حق يراد به باطل، وهدفه الأساس هو التغطية الكاملة على دور الاحتلال المباشر والنهب الدائم والعقوبات الاقتصادية الجائرة وغير الشرعية في معاناة هذا الشعب، وما يؤكّد ذلك أن أماكن توضّع هذه المعابر، التي يراد فتحها أمريكياً، هي مناطق حدودية محتّلة بالكامل، هي ومعابرها السابقة، إمّا من تركيا حليفة واشنطن في “الناتو”، أو من واشنطن مباشرة، أو أتباعها وعملائها على الأرض السورية، أو بقوة كلمة -آمرة- من سفيرها لفعّاليات اقتصادية كبرى في العاصمة التي يحتّلها ويمارس فيها دور المندوب السامي.
والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه هنا: لماذا، وبدل خوض معركة فتح معبر ما هنا أو هناك، لا تبادر واشنطن، وحليفها المحتّل التركي، لإدخال “المساعدات الإنسانية” عبر هذه الحدود المحتّلة من قبلهم، و”تغرق” بها تلك المناطق لمساعدة الشعب، كما يدّعون، أم أنها مخصّصة فقط لاستيراد الأسلحة والعتاد والإرهابيين وإخراج قوافل النفط والقمح وما توفر له من ثروات مسروقة، كما لإدخال الوفود الغربية التي تؤيد الانفصاليين هنا وهناك في مخالفة فاضحة للقانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة، وتهديد صريح وعلني لوحدة وسيادة سورية واستقلالها؟!
وبالتأكيد، فإن الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى حقيقة ساطعة مفادها أن كلمة السر الوحيدة في “معركة المعابر” الأمريكية الحالية تتمثّل في أمرين مرتبطين طردياً:
أولهما، محاولة تأمين غطاء أممي – بقرار عن مجلس الأمن الدولي – يشرعن هذه الحدود المفتوحة على الاحتلال والنهب وإثارة القلاقل بهدف تقويض السيادة السورية ومنع قيامتها، واستطراداً، في مجال الشرعنة، هنا نفهم قصة المغريات الأمريكية التي تقدم لروسيا كي لا تستخدم حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي كما نفهم الزيارات الأمريكية لتركيا لتنسيق الموقف “الفاجر” في هذا المجال.
وثانيهما، محاولة للهروب من التّبعات السياسية والقانونية، القادمة لا محالة وإن كان في وقت لاحق، لهذا الاحتلال الغاشم الذي يخرق القانون الدولي ويتعامل مع منظمات غير شرعيّة -بعضها مصنف كإرهاب دوليّ- ولهم، درس ومثال، في ما يحدث اليوم مع شركة “لافارج” الفرنسية التي تحاكم أمام القضاء الفرنسي بتهمة “تمويل الإرهاب”، وما يحدث اليوم أيضاً مع “إمارة” عربية خليجية تواجه اتهامات أمام المحكمة العليا في لندن بسبب لعبها “دوراً مركزيّاً” عبر “مكتب خاص” لأميرها في عملية تمويل “جبهة النصرة” فرع تنظيم القاعدة في سورية!.
ذلك هو ما يخشاه فريق المتورطين في الحرب على سورية، وذلك هو ما يحاول الهروب منه بمحاولة “شرعنته” تحت يافطة “المساعدات الإنسانية”، وهي “يافطة” تعرف شعوب العالم، بدمائها ودموعها، معناها الحقيقي ومآلها النهائي عندما تخرج الدعوة إليها من فم مسؤول أمريكي كبير!!..