“الجراحة الترميمية التجميلية”.. عندما يصنع “الاجتهاد” فرقاً في منح فرصة الحياة للمصابين في زمن الحرب
تصبّ عمليات التجميل في بوتقة العمليات الكمالية أو “البرستيج” الاجتماعي لزيادة نسبة الجمال والقبول المجتمعي، ولكن في سورية اتجه الموضوع نحو أماكن أكثر عمقاً وتحديداً لمنح الحياة، كون المسألة اتخذت مسار الترميم لمصابي الحرب والانفجارات اللغمية التي كثُر انتشارها في سنوات الحرب العشر المنصرمة، فأصبح التجميل ضرورة ملحة وهدفاً سامياً على خلاف ما هو متعارف عليه عالمياً.
غير الكلاسيكية
رئيسُ شعبة التجميل والترميم والحروق في مشفى المواساة الجامعي الدكتور معن العيسمي بيّن في حديث لـ”البعث” أن الإصابات الحربية هي إصابات بعيدة عن الإصابات الكلاسيكية، وتتراوح بين محدودة بسيطة إلى هائلة موسعة تهدّد الحياة، ويتمّ التعامل مع كل حالة حسب ظروفها، لذلك لا يمكن المقارنة بين العمل الجراحي الذي يتمّ في الترميم بالعمليات المخطّط لها أو الباردة وبين العمليات التي تصل إلى درجة الإسعافية السريعة لإيجاد حلّ للإصابات الحربية، مع التأكيد أنه يتمّ التعامل مع الإصابات التي تمّ استقبالها في المشفى من قبل فريق متعدّد الاختصاصات سواء (العامة أو الجراحية والأذنية والفكية) للمساهمة في تقديم ما يلزم من خدمات طبية وتدخّل جراحي لمساعدة طبيب التجميل بهدف الوصول إلى النتائج المرجوة، ولاسيما بوجود الكثير من الإصابات نتيجة الألغام التي تحتاج إلى جانب آخر في التعامل معها تتمثل خطواتها الأولية بالمحافظة على الحياة عبر تدخل فريق متعدّد الاختصاصات، لتأتي بعدها المحافظة على الأطراف أو المناطق الحيوية في الجسم للمحافظة على ترويتها للوصول إلى نتيجة أفضل نوعاً ما، إضافة إلى الناحية الجمالية التي تأتي في الخط الأخير، ولاسيما في إصابات الحروب التي لوحظ زيادة كبيرة في أعداد مصابيها نتيجة الانفجارات أو البترول المكرّر بطريقة غير صحيحة في المناطق الشرقية التي كانت تحت سيطرة الإرهاب.
وتابع العيسمي: إن أشكال الحروق التي وردت للمشفى لم تكن مسجلة عالمياً وغير موجودة في الكتب الطبية، وهي حالات لا توجد خبرة للتعامل معها، بل تمّ الاجتهاد والسعي للوصول إلى حلول لمتابعتها وإنقاذ الكثير منها وتقديم الخدمة اللازمة. إلى جانب الحروق هناك إصابات الرأس والعنق الناتجة عن الانفجار وإصابات الفك العلوي والسفلي والحجاج والإصابات داخل الجمجمة الناتجة عن الشظايا وما شابه، إضافة إلى الإصابات العصبية التي يتمّ التدخل فيها من قبل أهل الاختصاص من أطباء العصبية إلى جانب طبيب التجميل.
أما بالنسبة لدور جراح التجميل فهو مهمّ جداً -حسب العيسمي- كونه يعتبر القاسم المشترك لكافة الاختصاصات للربط فيما بينها بهدف الوصول إلى مرحلة ترميم الضياعات المادية المفقودة من الجسم نتيجة الإصابة، وهو قانون متعارف عليه عالمياً، وقد تستمر العمليات بالتتالي لأسابيع وأحياناً لأشهر أو لسنوات حسب كل حالة، مع الإشارة إلى أن طب الحروب مختلف تماماً عن الطب في حالات السلم، لأنه يشهد إصابات مختلفة وجديدة وغير معهودة وغير متوقعة، وهناك إصابات تستدعي جمع الخبرات للوصول إلى نتيجة مرضية وإعطاء فرصة لإنقاذ المريض، إضافة إلى أنها إصابات غير نموذجية وغير كلاسيكية وخطيرة تستدعي تدخل الاختصاصات الطبية على مختلف أنواعها وتعاونها للوصول إلى حلول نوعاً ما جيدة، علماً أن عدد الإصابات كبير جداً، حيث وصلت إصابات الطرف السفلي -كمثال- للآلاف.
الأكثر شيوعاً
أما بالنسبة لأهم العمليات التي تمّ التعرّض لها وتمّت مواجهتها والتصدي لها، فقد أشار رئيس الشعبة الترميمية إلى أنها تمثلت بعمليات الحروق، تليها إصابات الألغام والانفجارات، حيث كانت تصل الحالات كأشلاء، لكنها على قيد الحياة أو فاقدة للأطراف، وكانت عمليات التداخل بمثابة التحدي الكبير للجراحين بكافة الاختصاصات للمحافظة على المريض ومنحه فرصة للبقاء على قيد الحياة، وقد نجح المشفى بهذا المجال رغم الظروف الراهنة، والنقطة الأساسية مقاربة تلك الحالة بتقنيات ضمن إمكانيات غير مطروقة، بالتزامن مع إيجاد “بنك الجلد” والذي يعتبر خطوة غير مسبوقة لمشفى حكومي، ولاسيما في ظل الظروف الراهنة، حيث أثبت نجاحه ضمن الإمكانيات البسيطة المتاحة من خلال استخدام الجلد “الحي” المأخوذ من مريض واستخدامه كضماد حيوي ليستطيع المريض الآخر أن يتجاوز مرحلة خطيرة ويعطي طعوماً من جسده، علماً أنه يتمّ أخذ الموافقة من مرضى “شد البطن والأطراف” للاستفادة منها في مساعدة مرضى آخرين، حيث يتمّ تمرير الجلد المأخوذ ضمن خطوات للاستفادة منه، وقد استطاعت تلك الخطوة حلّ إشكال كبير جداً في هذا الموضوع، ولكن الطموح أكبر للوصول إلى بنك جلد على مستوى وطني مماثل لبنك الدم ليتمّ الاستفادة منه على مستوى القطر.
جراحة قديمة العهد
من جهته الدكتور أكثم الخطيب اختصاصي جراحة تجميلية بيّن أن جراحة الحرب قديمة العهد تعود بداياتها للقرن الخامس عشر عندما كانت الإصابات الحربية تقتصر على الطعنات ليس أكثر، ومع الحرب العالمية الأولى تطورت تلك الإصابات لتظهر إصابات أشد مع دخول الطلق الناري الذي أدى إلى ظهور نوع معيّن من الإصابات وتطور تدبيرها، وبشكل أساسي حدثت ثورة كبيرة بإصابات الحرب في الحرب العالمية الثانية، حيث شهدت حالات أشد خطورة، إضافة إلى إصابات الكوارث، وقد تمّ تقسيم تلك الإصابات إلى بسيطة والتي تتمثل بإصابات الطلق الناري الذي يؤدي إلى إصابة النسج الرخوة والعظم، كون إصابات الحرب مهدّدة للحياة، فيتمّ استقبال المرضى من قبل أطباء طب الطوارئ للمحافظة على الحياة في الدرجة الأولى، ليأتي التدخل التجميلي، ولاسيما لإصابات الأطراف العلوية والسفلية التي تعاني من ضياع بالنسج الرخوة كالجلد والعضلات وإصابات على مستوى العظم، إذ يتمّ فرز المرضى حسب الخطورة ويتمّ إنقاذ حياة المريض ومن ثم الالتفات لاحقاً للترميم، لذلك معظم الإصابات الحربية التي تحتاج لترميم تأتي متأخرة على الإجراء الترميمي، ولكن يتمّ التعامل بها وتدبيرها ضمن الإمكانيات الموجودة، مع تأكيده أنه خلال سنوات الحرب المنصرمة تمّ مواجهة إصابات شديدة والتعامل معها ومتابعة الحالة لضمان ترميم جيد، ومعظم حالات التدخل مرتبطة بالأطراف وفيها شق عظمي لترميم النسج.
“المايكرو سيرجلي”
الأساس بهذا الإجراء عالمياً -حسب الخطيب- مرتبط بتطبيق جهاز ماص للجروح، علماً أنه غير متوفر في البلد، فيتمّ الاعتماد على التنظير الجراحي البسيط والضمادات الموضعية وتدبير الإنتان الناتج عن طريق الوريد لتجهيز المريض للترميم، والجزء الآخر المهمّ بتدبير تلك الحالات الشديدة هي “المايكرو سيرجلي”، أي نقل نسيج حيّ من مكان بعيد عن الإصابة إلى مكان الإصابة عن طريق الجراحة المجهرية، إضافة إلى استخدام الشرائح العضلية الجلدية على مراحل لإنقاذ الطرف المصاب.
يُشار إلى أن الجراحة التجميلية ترميمية لأنها تعتمد على نقل نسج عضلية جلدية لتغطية عظم مكشوف بمكان ما بهدف إعطاء فرصة للحياة، لذلك لابد من تأمين ما يلزم، كون الجراحة التجميلية لا تقتصر على جراحة الحرب، بل تتعداها للتدخل في جراحة ما بعد الأورام والسرطانات، وهي خطوة تحتاج لإمكانية، كوجود مجاهر مخصّصة وخيوط معينة مختلفة عن الخيوط المستخدمة في العمليات العادية، وتحتاج إلى وجود كادر كبير وخاصة الكادر التخديري الذي يشهد نقصاً كبيراً فيه.
فوضى وسمسرة
وبالعودة إلى العيسمي للحديث عن التجميل كما هو متعارف عليه عالمياً لزيادة نسب الجمال، فقد أكد أن التوجّه العالمي للتجميل مشابه للتوجّه نحو الموضة، ومن مهمة الطبيب أن يعطي عمله الجراحي نتيجة إيجابية على المريض، لذلك يجب تقييمه كمريض لتحسين نوعية الحياة وزيادة الثقة بالنفس، مع الإشارة إلى وجود فوضى “السوشيال ميديا” كونها تشهد كذباً كبيراً وسمسرة، وهناك ترويج لأسماء غير مختصة بهذا المجال، لذلك لابد من ضبطها كونها تؤثر بشكل كبير على المرضى وقد تودي بحياتهم، بالتزامن مع إيجاد ضوابط للانتشار الكبير، وهنا يجب وضعها في عهدة نقابة الأطباء والجهات ذات الصلة، إضافة إلى دور المشافي في تقييد وضبط إجراء العمليات وحصرها باختصاصي التجميل فقط، ولاسيما بوجود العديد من العمليات التي يتمّ إجراؤها من قبل طلاب الطب الذين ما زالوا قيد الدراسة وفي بعض الأحيان من قبل ممرضين، الأمر الذي يستدعي تدخلاً سريعاً من قبل أصحاب الاختصاص وحلّه لتأمين خدمة صحيحة شبه آمنة للمرضى من خلال الاعتماد على الخبرات الجامعية “الأساتذة”، آملاً من الجهات الناظمة الرجوع إلى استشارة أصحاب الخبرة من كل اختصاص والعودة إلى النظم الصحيحة باتجاه خدمة المرضى والبلد في آن واحد.
حياة عيسى