لا تحول في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية
ريا خوري
المراقب للسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، يجدها دون أدنى شك سياسة اللعب على الحبال، باستخدام كلمات تخديرية للشعوب والحكومات من أجل حماية الكيان الصهيوني وتحقيق مشروعه على حساب الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة. فما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية هو ما كان متوقعاً منذ بداية العدوان على قطاع غزة، حيث تدخلت لـ”التهدئة”، وإبقاء الأمور قابلة للانفجار، ولا يعني أيضاً أن إرسال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أو أي مسؤول آخر، إن كان رفيع المستوى أو أقل درجة، إلى المنطقة أنها قرّرت استئناف دورها السياسي القديم وطرح مبادرات جديدة تفضي إلى الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية. لذا فقد كانت حدود التحرك الأمريكي الحالي معلنة وواضحة، وهي لا تتجاوز تثبيت الهدنة ووقف العمليات العسكرية، وتزويد الكيان الصهيوني بصواريخ أرض جو متطورة، ومساعدته على تطوير منظومة القبة الحديدية، التي أثبتت فشلها وضعفها أمام الصواريخ الفلسطينية.
لقد أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ دخوله البيت الأبيض أن أولوياته الخارجية هي جمهورية الصين الشعبية، والتغييرات المناخية العالمية، وجمهورية إيران الإسلامية، أما منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أهميتها وموقعها الجيواستراتيجي وقضاياها المتعدّدة والكبيرة، فهي ليست على قائمة اهتماماته.
إن السياسة البراغماتية التي تتبعها إدارة الرئيس بايدن تؤكد أن الولايات المتحدة لن تتورط مرة ثانية على الأقل في المستقبل القريب في قضية الصراع العربي- الصهيوني، بل في مجمل قضايا الشرق الأوسط الشائكة والمعقدة. وهذا الموقف ليس إجراءً تكتيكياً مؤقتاً، بل تحول إلى منهج استراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية دون أي مواربة.
لقد أكد عدد كبير من الباحثين الاستراتيجيين الأمريكيين ومعهم عدد كبير من القادة في إدارة الرئيس جو بايدن أن شعار الولايات المتحدة الجديد هو الحدّ الأدنى من التورّط في المنطقة بشكل عام وفي القضية الفلسطينية بشكل خاص، لأن الولايات المتحدة تعرف الأهمية الجيواستراتجية للمنطقة، ولديها بالطبع مصالح حيوية ضخمة فيها، وسيكون هدفها الأول تأمين هذه المصالح دون التورط في أزمات أو حروب هنا وهناك. وإذا كان لابد من أي عمل فليكن من خلال الوكلاء، على أن تكتفي بتقديم الدعم الاستخباري والتخطيط والقيادة والمال.
من هنا فإن الولايات المتحدة لن تلعب دور الشرطي في المنطقة، كما أنها لن تلعب دور رجل الإنقاذ والإسعاف، بل ستترك للآخرين أعباء الأمن تحت إشرافها وسيطرتها. وعبر هذا التكتيك ستواصل الحفاظ على أهدافها الثابتة وهي احتواء إيران، وتأمين مصادر الطاقة وخطوط الإمداد للحلفاء، وحماية الكيان الصهيوني ودعمه.