هل بدأت بوادر تفكّك “الأطلسي”
تقرير إخباري – طلال الزعبي
يوماً بعد آخر تتكشف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء حشد حلف شمال الأطلسي “ناتو” جميع طاقاته مؤخراً لعرقلة أي نوع من التقارب بين كل من الصين وروسيا من جهة، وروسيا وبيلاروس من جهة أخرى، حيث لا يتوانى الحلف عن انتقاد طبيعة العلاقات التي تتطوّر بين هذه الأطراف مجتمعة.
ولا يخفي الحلف رغبته في عرقلة أي نوع من العلاقات المتبادلة المنفعة بين هذه الأطراف، كما قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا مؤخراً، حيث يبدي امتعاضاً شديداً من أيّ نشاط جديد على الحدود التي يفترض أنها مناطق نفوذ له.
وفي الحقيقة، بدأ هذا الحلف يستشعر مخاطر انكماشه على مستوى العالم، حيث تؤكد جميع المعطيات أن هناك نظاماً عالمياً جديداً متعدّد الأقطاب بدأت بوادره في الظهور، تقوده مجموعة من القوى الصاعدة في العالم مثل روسيا والصين وإيران وبيلاروس، الأمر الذي أثار حفيظة “ناتو” من إمكانية انحسار دوره على الساحة الدولية، حيث يعتقد أنه يجب أن يكون الإطار السياسي والعسكري الوحيد الذي يقود العالم، وهذا بالضبط ما دفع منظّري الحلف إلى التذكير دائماً بضرورة كبح النشاطات الروسية والصينية المتنامية حول العالم.
وليس غريباً في هذا السياق أن تزداد تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ حول التقارب السياسي والعسكري بين روسيا والصين التي أكد فيها أن ذلك يشكّل تهديداً للحلف.
وقال ستولتنبرغ في مقابلة مع صحيفة لا ريبوبليكا الإيطالية: “تبني روسيا والصين منذ بعض الوقت تعاوناً مكثفاً يتزايد باطّراد على الصعيدين السياسي والعسكري، إنه بُعدٌ جديد وسلسلة تحدّيات تواجه الناتو وينجم عن ذلك مخاطر جديدة”.
وأشار إلى أن موسكو وبكين تنسّقان مواقفهما بشكل متزايد في القرارات المتخذة في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، وتنفذان كذلك تدريبات عسكرية مشتركة وتقومان بتجارب مشتركة تتعلق برحلات جوية لمسافات طويلة مع الطائرات المقاتلة وتقودان عمليات بحرية، كما تجريان تبادلاً مكثفاً للخبرات في مجال أنظمة التسلح ومراقبة الإنترنت.
إذن، لا يخفي حلف شمال الأطلسي ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية مخاوفه من ظهور قوى جديدة على مستوى العالم، فهو ينتقد وجود تقارب بين الصين وروسيا في الوقت الذي كان يعمل فيه على محاصرة كل من الدولتين بجميع الوسائل، وهذا بالضبط ما يفسّر الحملة الواسعة النطاق التي شنّها الغرب على كل من روسيا وبيلاروس والصين، حيث تشكل بيلاروس حاجزاً أمام تمدّد الحلف على حدود روسيا الغربية، بينما يمثّل التحالف بين روسيا والصين مانعاً طبيعياً لتمدّد الحلف في آسيا الوسطى.
لذلك ليس غريباً أن تتناغم التصريحات الغربية في الآونة الأخيرة حول مجموع القضايا الدولية التي تمثل تحدّياً للحلف الذي يعدّ إطاراً جامعاً لهذه الدول حتى لو اختلفت نوعاً ما في مسائل فرعية تتعلّق بالتمويل وما إلى ذلك من الأمور، وليس غريباً أيضاً أن تنادي الدول الغربية في قممها المتعاقبة هذا الشهر بضرورة الحوار مع روسيا “احتوائها”، ولا يكاد يخلو تصريح واحد لستولتنبرغ نفسه من دعوة لإعادة الحوار بين الحلف وروسيا، وآخرها دعوته روسيا لحضور قمة الحلف في 14 الشهر الجاري.
وفي المحصّلة، كل التصريحات الغربية وعلى أعلى المستويات ابتداء من واشنطن وصولاً إلى عواصم القرار الأوروبية، برلين وباريس، وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، تؤكد أن الطرف الذي يتعمّد إثارة القضايا الخلافية بين الحين والآخر ويصرّ على كبح جماح كل من روسيا والصين، هو ذاته الذي يعود مرة أخرى لإبداء رغبته في الحوار مع روسيا، رغم أنه يحتفظ بقوات قتالية كبيرة على حدودها بخلاف اتفاق التسعينيات بينهما، الأمر الذي يؤكد فرضية قلق الحلف الحقيقية من إمكانية هرمه وتفتّته على خلفية صعود تحالفات قوية على مستوى العالم، بمعنى أن الحلف يحاول إظهار القوة بينما هو يصارع الآن من أجل الاستمرار في الوجود.