مجلة البعث الأسبوعية

الجيش السوري الإلكتروني SEA جيش افتراضي في فضاء سيبراني,, القرصنة الرقمية سلاحاً

إعداد: د. منذر علي أحمد

ملخص مترجم بتصرف المؤلف عن النسخة المنشورة باللغة الإنكليزية

ظهر مفهوم الحرب السيبرانية منذ الأيام الأولى للمعركة على سورية، حيث كانت المجموعات المعادية تشن هجمات سيبرانية على المجموعات النشطة والشخصيات المؤيدة للدولة، مستغلة خبرتها التكنولوجية ومعرفتها بقواعد عمل منصات مواقع التواصل الاجتماعي وخفاياها، عبر استخدام تقنيات وبرمجيات متطورة، أو عبر الاستخدام المنظم للوسائل التقليدية المتمثلة بالإبلاغ المنظم والمكثف عن المحتوى الذي يجدون أنه لا يتماشى مع أفكارهم ومخططاتهم المعادية، حيث كان يتم إرسال تبليغات لإدارة الفيسبوك تتضمن مطالبات بإغلاق هذه الصفحات والحسابات بحجة أنها تسيء لهم شخصياً، أو تنشر محتوى محرضاً، أو أنها حسابات زائفة، وغيرها من الحجج التي تدفع إدارة فيسبوك لاتخاذ إجراء الحظر أو الإغلاق كون المحتوى المنشور على تلك الصفحات لا ينسجم مع معايير المحتوى المقرة من قبل إدارة الفيسبوك.

وهكذا، يمكن القول أن ساحة الحرب التي دارت رحاها في سورية، خلال العقد الماضي، قد شهدت، بالإضافة للحرب التقليدية التي كانت تدور في ساحات القتال، أنواعاً مختلفة من الحروب غير التقليدية مختلفة بشكل كبير في ساحاتها وأشكالها وأدواتها ومقاتليها؛ وكان السيد الرئيس بشار الأسد قد أكد في كلمة له بأن سورية “تخوض أربعة أنواع من الحروب، وهي العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية وضد الفساد”، وبالتالي شكلت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حربٍ جانبية وموازية لما يجري في ساحات القتال؛ وهذا النوع الجديد من الحروب اقتضى الانتقال من مجرد الاستخدام التقليدي والبسيط للإنترنت ووسائل الاتصال الإلكترونية إلى مرحلة الاستخدام المعمق والمحترف لتلك الوسائل والأدوات بفعالية ومهارة.

 

المحاربون الجدد..

عادة ما يكون أبطال الحروب التقليدية من أصحاب القلوب والأجساد القوية، أما في ميدان حروب العالم الافتراضي، فالغلبة دائماً ما تكون لأصحاب العقول المطورة المبتكرة المتجددة، فأبطال هذه الحروب هم مجموعة مبرمجين محترفين يعتبرهم البعض أبطالاً، ويضعهم البعض الآخر في خانة المسيئين. وعادة ما يستخدم القراصنة الأخلاقيون والقراصنة السيئون تقريباً الأسلوب نفسه والمهارات نفسها لتنفيذ عمليات القرصنة، ويُطلق على المخترقين الجيدين أيضاً اسم أصحاب “القبعات البيضاء”، أو “قراصنة الأمن”، ويطلق على المخترقين السيئين اسم “المفرقعات”، أو أصحاب “القبعات السود”.

كذلك هو الحال فيما يتعلق بنظرة الناس إلى عناصر “الجيش السوري الإلكتروني”، أو ما يمكن أن نشير إليه اختصاراً بـ “ج. س. إ”، الذي نجح، بطريقة ما، في إحداث تأثيرٍ مهم في أدمغة وطريقة تفكير البعض من أبناء المجتمع الغربي تجاه قضايانا، وخاصة من وقع لسنوات عديدة ضحية التغطية الإعلامية الغربية التقليدية المنحازة والمشوهة.

لقد كان أمام أفراد الجيش السوري الإلكتروني خياران لمواجهة الهجوم والتلفيق الإعلامي الذي تشهده بلادهم في ذلك الوقت ضد سورية؛ فإما التزام الصمت والاستكانة، وهو الخيار الذي حاولت الوسائل المعادية فرضه على إعلامنا الوطني الذي يملك قدرات محدودة، وإما الخيار بالهجوم على هذه الوسائل ومواجهتها، وذلك عبر القيام باختراق مواقعها الإلكترونية والاستفادة من شهرتها وسعة وصوليتها، وبالتالي استخدام منصاتها الإلكترونية لنشر الرسائل التي يريدون إيصالها للآخرين.

 

الإنترنت يقلب مفهوم نظرية “دوامة الصمت”

تدور نظرية “دوامة الصمت”، لعالمة السياسة الألمانية إليزابيث نويل نيومان، حول فكرة تقول بأن هناك وجهة نظر واحدة تسيطر على المشهد العام، في حين أن وجهات النظر الأخرى ستختفي من الوعي العام، ويصبح أتباعها صامتين، وهذا ما كان يحصل بطبيعة الحال؛ فقد فرضت القوى الكبرى التي سيطرت على وسائل الإعلام التقليدية مفهوم “دوامة الصمت” لسنوات عديدة، لكن الأمور والقواعد تغيرت مع ظهور الإنترنت كوسيلة أساسية للاتصال والمعلومات.

واستطاع الجيش الإلكتروني أن يستفيد من الواقع الإعلامي الجديد ونجح باستخدام أدواته كسلاح فعال، وإيصال رسائله إلى المجتمع الغربي الذي يقع بطبيعة الحال تحت تأثير وضغط كبيرين من قبل وكالات الإعلام الغربية الكبرى التي تمارس انتقائية متعمدة في عرض الأخبار والموضوعات، وطرق تقديم المواضيع والأخبار لجماهيرها.

 

عضو مهم في النادي العالمي للقرصنة الرقمية

لاشك أن الحرب الدائرة بين المؤيدين للحكومة السورية والمناهضين لها قد تصاعدت واختلفت أساليبها وأدواتها منذ بداية الأحداث في سورية، ليس فقط في ساحة المعركة الحقيقية، ولكن أيضاً في الساحات الافتراضية للمواقع الإلكترونية. واليوم تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات معارك افتراضية جانبية، حيث يمكننا أن نرى شكلاً غير مسبوق من أشكال العنف والصراع يتجلى في مهاجمة وإغلاق صفحات، وإلغاء حسابات، وكشف فضائح، ونشر حقائق وغيرها.

ولعل الجيش السوري الإلكتروني كان من أكثر الجماعات التي ظهرت خلال هذه الأحداث نشاطًا، وأصبح ذائع الصيت في عالم الاختراق الرقمي خلال فترة قصيرة، ليس فقط نتيجةً لاختراقاته الاعتيادية لصفحات المعارضة، ومواقعها الإلكترونية، وأنشطتها، بل ولأنه قد تجاوز المستوى المحلي إلى المستوى الدولي، من خلال اختراقه لأشهر المؤسسات الإعلامية والوزارات والمنظمات العالمية.

“سي إن إن”، التي كانت واحدةً من أهدافه، في مرحلة ما، نشرت، في 25 نيسان 2013، مقالاً بعنوان “ما هو الجيش السوري الإلكتروني؟”، عرفته فيه بأنه “مجموعة من المخترقين الرقميين الموالين للنظام السوري”، والذين استهدفوا بشكل قوي الناشطين والمؤسسات الإخبارية الرئيسية”، وهو تعريف قريب جداً مما نشرته “فرانس 24″، والتي هي أيضاً واحدة من القنوات التي تم اختراقها.

أما الجيش السوري الإلكتروني، فعرف نفسه على موقعه على الإنترنت (طبعاً، تم إغلاق الموقع كما تم إغلاق العديد من الحسابات والصفحات التابعة له!!) بالقول: “نحن مجموعة من الشباب السوري المتحمسين الذين لم نتمكن من الصمود تجاه التشويه الهائل للحقائق” حول ما يجري في سورية. ويذكر في حسابه على تويتر: “لسنا جهة رسمية ولا ننتمي لحزب. نحن شباب سوريون لبينا نداء الوطن؛ وبعد تعرض وطننا سورية لهجمات على الإنترنت قررنا الرد بقوة”.

وحول مرحلة التأسيس، يقول أحد أعضائه: “بدأ نشاط الجيش السوري الإلكتروني منذ بداية الأزمة، حيث اجتمع الشباب السوريون معاً للدفاع عن بلادهم ضد الحملة الدعائية الدموية التي تقوم بها مؤسسات إعلامية مثل “الجزيرة”، و”بي بي سي”، و”فرانس 24”. ويضيف: “لدى كل منا مهاراته الحاسوبية الخاصة، كالقرصنة والتصميم الغرافيكي.. مهمتنا أن ندافع عن بلدنا”.

وفي مقابلة معه عام 2014، تحدث حلمي نعمان، وهو باحث رئيسي في Citizen Lab، وقام بتوثيق أنشطة الجيش السوري الإلكتروني، بأن سورية أصبحت “أول دولة عربية تستضيف جيش إنترنت على شبكاتها الوطنية لشن هجمات إلكترونية على أعدائها”.

وفي مقابلة مع أحد أفراده، في أيار 2013، كتب الصحفي فرانسيس بيا تحت عنوان “داخل عقل الجيش السوري الإلكتروني وقائده”، بأن الشخص الذي التقاه يبلغ من العمر 24 عاماً، ولقبه “The Shadow”، ولا بد أن يكون هذا اسماً آخر لشادي محمود. ويقول “The Shadow” : “لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي تجاه التشويه الهائل.. تستغل وسائل الإعلام الأمريكية الأشخاص ذوي التفكير الجيد للقيام بضخ تقارير تجعلك تشاهد ما تريدك الحكومة الأمريكية أن تشاهده، لكنها تقارير وهمية مزيفه”.

 

مقابلة خاصة

وبهدف معرفة مزيد من التفاصيل عن الجيش السوري الإلكتروني، نجحت، في عام 2014، بإجراء مقابلة مع شخص عبر الفيسبوك عرف عن نفسه بأن اسمه الحقيقي هو شادي محمود، وشعاره (شادي روحي فدى الأسد)، وذكر بأنه هو قائد الجيش السوري الإلكتروني، وأنه قرر الكشف عن هويته بعد أن قامت الجماعات الإرهابية التي تعمل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل باغتيال كريستيان، أحد أعضاء الجيش السوري الإلكتروني، وسرقت الكمبيوتر المحمول الخاص به، ووجدت رسائل شادي وكل شيء عنه.

قال شادي: بعد معرفتهم لهويتي حاولوا قتلي، وقاموا بتفجير سيارتي، لكن في ذلك اليوم استخدم أخي السيارة بدلاً مني، وانفجرت القنبلة، وأصيب أخي بجروح خطيرة. وتابع شادي أنه لهذه الأسباب قرر التحدي عبر الظهور العلني أمام الجمهور، طالما أنه لا يخشى شيئاً، وأعداؤه باتوا يعرفون هويته.

نشر شادي في صفحته ما يسميه “قانون الهاكر” الذي يقول “وراء ابتسامة كل هاكر.. هناك دمعة ضحية! نحن نعشق الموت ولا نحب الضعيف.. لهذا السبب دخلنا مدارس الهاكرز لمعاقبة الأوغاد! ليس لدينا أي رحمة، ولا نقبل التهديد.. لكم حرية التعبير ولنا حرية القرصنة! نحن لا نخترق لإثبات أننا محترفون، ولكن لوضع بقعة سوداء في تاريخك.. نحن لن نستسلم.. نخترق أو نموت”.

ذكر شادي أن الجيش السوري الإلكتروني يتكون من 24 عضواً: 22 شاباً وفتاتان، وأصغر الأعضاء يبلغ من العمر 20 عاماً، وأكبرهم 39 عاماً، ويعملون معاً لتحقيق أهدافهم، وقد “ساعدنا في سورية برصد تحركات ما يسمى بالجيش السوري الحر، وعملنا على اكتشاف الأماكن التي كان ينوي تفجيرها. كما كشفنا قادته، وسلمناهم للسلطات الأمنية، وراقبنا تحركاتهم التي كانوا ينوون القيام بها، مثل مهاجمة أي نقاط تفتيش، أو أي مستودع ذخيرة تابع للجيش العربي السوري”.

بعد الضربة الجوية الإسرائيلية على سورية، كان دور الجيش السوري الإلكتروني واضحاً جداً من خلال القيام بالهجوم على المواقع الإسرائيلية، كانتقام وردة فعل على هذه الاعتداءات؛ وكان شادي قد تحدث، خلال مقابلة له مع إذاعة “صوت الشعب”، عن الهجوم الذي قام به الجيش السوري الإلكتروني على المواقع الإسرائيلية:

“إسرائيل هي عدونا الأول، وهي التي تعمل على قتالنا مع أتباعها من القطريين وغيرهم، ممن يريدون تدميرنا كدولة وكسيادة، ولكن – بحمد الله – نحن كدولة وكجيش إلكتروني لن نمنحهم فرصة. لقد هددنا هذه المواقع الإسرائيلية قبل اختراقها، وهذا يعطيها الفرصة للحذر من هجماتنا، لقد اخترقنا مواقع كبيرة متعلقة بالبطاقات المصرفية.. اخترقنا هذه المواقع، ووضعنا العلم السوري على مواقعهم الإلكترونية، وقمنا بحذف جميع بياناتهم.. وحرقنا جميع البطاقات المصرفية.. كما قمنا بتشغيل صفارات الإنذار.. بعد أن اخترقنا جميع مواقع وزارات الداخلية والخارجية والتعليم”.

لا شك بأن إسرائيل، المشهورة بأجهزتها الأمنية، اعتبرت أن اختراق تفاصيل آلاف البطاقات المصرفية التي يملكها مستوطنوها ونشر تفاصيلها على الإنترنت يرقى إلى عمل إرهابي. وبحسب إذاعة “بي بي سي”، فقد تعهد مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية بالرد على هذا الخرق الأمني “الذي نفذه قرصان سوري يعتقد أنه موجود على الإنترنت، ويسمى (شادي روحي فدا الأسد). وأعلنت إسرائيل أن سرقة هذه المعلومات تعتبر واحدة من أسوأ الهجمات الإلكترونية التي تمت مواجهتها.

 

الجيش السوري الإلكتروني والحكومة السورية

السيد الرئيس بشار الأسد، وأثناء خطابه على مدرج جامعة دمشق، 20 حزيران 2011، ذكر صراحة اسم الجيش السوري الإلكتروني عندما تحدث عن الشباب الذبن “لهم دور كبير في هذه المرحلة لأنهم أثبتوا أنفسهم خلالها.. بدءاً من الجيش الإلكتروني الذي كون جيشاً حقيقياً في واقع افتراضي”. وربما كان هذا الذكر الصريح للجيش الإلكتروني السوري هو السبب الرئيسي لتعزيز الاعتقاد على نطاق واسع بأن الحكومة السورية تقف وراء أنشطته وتدعمها. أما مجموعة الجيش السوري الإلكتروني فعلقت بالقول أنها تشرفت بذكرها في خطاب الرئيس، لكنها أكدت أنها لا تنتمي إلى أي جهة حكومية.

على الرغم من عدم وجود أي دليل ملموس يؤكد وجود أي ارتباط بين الجيش السوري الإلكتروني والحكومة السورية إلا أنه يُمكن القول أن هناك رضا ودعماً ضمنياً لأنشطته. وهذا ما ادعاه حلمي نعمان، بالقول أن هذا الجيش يتلقى “دعماً ضمنياً” غير معلن من الحكومة السورية.

وفي خطوة لم تكن مرضية لأعضاء الجيش السوري الإلكتروني، توقفت الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية عن استضافة الموقع الرسمي للجيش السوري الإلكتروني لذا قاموا بنشر هذا الإعلان: “نأسف في إدارة الجيش السوري الإلكتروني على إبلاغ جميع الأعضاء والموظفين بأن موقع الجيش الإلكتروني السوري لم يعد يعمل. حدث هذا لأسباب خارجة عن إرادتنا وبسبب ضعف إرادة بعض المسؤولين في الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية. نحن مندهشون للغاية من قرار الجمعية بالتوقف عن استضافة موقعنا الرسمي، وعلاوة على ذلك، رفضت الجمعية استضافته مرة أخرى. كان لديهم بعض الأسباب غير المقنعة لفعل هذا.

إن مسألة استضافة موقع الجيش السوري الإلكتروني قد تم استخدامها من قبل وسائل الإعلام الغربية والعربية كدليل على وجود صلة بينه وبين الحكومة السورية، وكانوا يشيرون إلى مسألة أن السيد الرئيس بشار الأسد كان الرئيس السابق للجمعية، لذلك قد تكون مسألة رفضها الاستضافة إثباتاً وتأكيداً على بطلان مثل هذه الروابط.

أما الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية فقد ذكرت في رسالة اعتذار بأن مزود خدمة الإنترنت فيها هو أحد مشاريع الجمعية التي تهدف إلى دعم وتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات في سورية، على أساس “مبادئ وأهداف الجمعية لدعم جميع القدرات الوطنية ودعمها وتأمين فرص النجاح لها.. كنا ولا زلنا متحمسين وداعمين لكم ولدوركم الفعال” (..) لكن كما تعلمون في الآونة الأخيرة.. تأثرنا بقرار جائر ضدنا وضد الدولة تمثل في إيقاف جميع النطاقات المحجوزة لنا أو من قبلنا، وهذا بدوره أدى إلى إيقاف جميع المخدمات المستخدمة من قبلنا أو المخصصة لنا عن عدد كبير من المشتركين (أفراد وشركات وحتى مواقع وأخبار حكومية)، وأدى ذلك بدوره أيضاً إلى تأثر أعمال أصحاب المواقع، وتوقف خدمات مزودي النطاقات، مما تسبب في أضرار مادية كبيرة لمصالحهم”.

بعد هذا الحجب، اعتذر الجيش السوري الإلكتروني من أعضائه، وأعلن أن “موقعنا لن يكون متصلاً بالإنترنت إلى أن نجد شركة استضافة أخرى توافق على استضافة موقعنا الذي حاول أعداؤنا مهاجمته لفترة طويلة باستخدام الخداع أو وسائل أخرى”.

 

الاختراق الرقمي استراتيجية دفاعية

لم يكن هدف الجيش السوري الإلكتروني تحقيق عائد مادي أو سرقة حسابات أو ابتزاز أصحابها، ولم تكن له أهداف شريرة تتمثل بنشر فضائح الآخرين، كما هو حال عمليات اختراق الحسابات التي يجريها ضعاف النفوس.. لقد كانت لديهم رسالة وطنية، وكانت الاختراقات وسيلتهم الوحيدة والمناسبة في ذلك الوقت لإسماع أصواتهم.

وكما هو واضح من بنك الأهداف التي وضعها، ومن المواقع والحسابات التي قام باختراقها، ومن طبيعة الرسائل التي كان يتركها، كان الهدف لفت انتباه وأنظار العالم إلى القضية التي يدافع عنها، وهي قضية وطنية، فقد أراد أن يساند الإعلام الرسمي وأن يظهر أن من حق وواجب الجيش العربي السوري الدفاع عن الوطن والمواطنين، وحاول أن يلفت الانتباه إلى أن ما يقوله الإعلام الغربي عما يجري في سورية من أحداث هو أمر غير صحيح، وأن المعلومات التي يعرضها ويقوم بتغطيتها غير دقيقة وحتى مفبركة.

اتهمت الحكومة الأمريكية ثلاثة عناصر من الجيش السوري الإلكتروني بسلسلة من “الجرائم” الإلكترونية التي استهدفت المؤسسات الإعلامية والشركات الخاصة والحكومة الأميركية. وقال بيان صادر عن وزارة العدل الأمريكية إن هؤلاء يواجهون “تهماً متعلقة بمحاولة إحداث تمرد في القوات المسلحة الأمريكية، وأخرى متعلقة بالاحتيال وغسيل الأموال، وتم إصدار مذكرات توقيف بحق كل منهم”.

وأشار نعمان إلى حصول تطور في أساليب الجيش السوري الإلكتروني مع مرور الوقت، فقد ركزت الهجمات المبكرة على مواقع ويب غير ذات صلة، لكن تحولت لاحقاً نحو اختراق صفحات الفيسبوك التابعة للمنظمات التي يُنظر إليها على أنها معادية للحكومة السورية، والآن أصبحت تستهدف حسابات تويتر رفيعة المستوى. قال نعمان إنهم يبدون اهتماماً بعرقلة تدفق المعلومات، وخاصة من وسائل الإعلام الدولية؛ وهذا ليس مستغرباً لأنه يتماشى مع ما حاولت الحكومة السورية”.

وبغض النظر عن الحجم الكبير لأهدافها، فقد أثبتت مجموعة الجيش السوري الإلكتروني أنها قادرة على إيذاء وسائل الإعلام الأمريكية من أجل إيصال صوت الشعب السوري وشرح ما يحدث فعلياً على أرض سورية، وليس كما تفعله وسائل الإعلام المعادية لها التي تقوم باختلاق الحقائق لخدمة المصلحة الأمريكية.

لقد قام الجيش السوري الإلكتروني باخترق حسابات تويتر لفترة طويلة، وكان من الواضح أنه يقوم بهذا الأمر بطريقة احترافية، حيث قام بقرصنة ثلاثة حسابات تابعة لهيئة الإذاعة البريطانية مخصصة لحالة الطقس وقسم اللغة العربية وراديو إذاعتها في إيرلندا الشمالية؛ كما قام بنشر رسائل على صفحات فيسبوك لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وموقع الاتحاد الأوروبي وقناة الجزيرة. وفي كل عملية اختراق كانوا يتركون رسالتهم ويتركون شعاراً خاصاً بهم على الصفحة لتأكيد قرصنتهم لها.

د. منذر علي أحمد، دكتوراه في الإعلام الجديد والاتصال