الرجل الصعب في الوقت الصعب
الدراسات
كتب عن القائد المؤسّس حافظ الأسد الكثير من الأدباء الفرنسيين والإنكليز والبولنديين والعرب، وكان محور وعنوان الأبحاث والمقابلات والتحقيقات. كيف لا وقد قدّم دروساً في الدفاع عن الوطن، مسح بصموده آلام الجميع، أحبه الكبير والصغير، وحاز على إعجاب أعدائه قبل أصدقائه، جعل من سورية بلداً للجميع دون استثناء، وذلك باحتضانها لكل الوافدين، فكان الرجل الصعب في الوقت الصعب.
لقد كان الرئيس المؤسّس مناضلاً صلباً، ورجل دولة، وسياسياً محنكاً، وعسكرياً خبيراً، واستراتيجياً وتكتيكياً بارعاً. قاد الحركة التصحيحية في الحزب والدولة ليرسي في تاريخ سورية الحديث دعائم عهد من الاستقرار والنهضة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بعد أن كانت الفوضى والانقلابات العسكرية تعصف بالبلاد منذ استقلالها في عام 1945م.
كانت ثورة الثامن من آذار 1963 وقيادتها بحاجة إلى خبرة كافية، وممارسة عملية في قيادة الجماهير والدولة، ولذا فإن هذه التجربة أسفرت في البداية عن بعض الخلافات في وجهات النظر داخل الحزب، وكان حافظ الأسد يتابع بوادر تلك الأزمة، ويحاول تجنيب البلاد عواقبها بالاحتكام إلى الحوار الموضوعي في المؤسّسة الحزبية، إلى أن حسمت حركة 23 شباط 1966 تلك الخلافات فوضعت سورية والحزب على الطريق السليم. وفي هذا التاريخ سُمّي وزيراً للدفاع، ومن موقعه هذا سعى بكل طاقته إلى تعزيز بناء القدرة العسكرية للقوات المسلحة السورية وتحديثها، والتوجّه إلى إعادة الوحدة مع مصر، وترسيخ العلاقات مع الدول العربية الأخرى.
الرئيس حافظ الأسد شخصية سياسية نشأت في إطار حزب سياسي قومي ذي تنظيم ومبادئ تقوم على أسس من الوحدة العربية، والحرية والاشتراكية. ولعلّ أبرز ما اعتمده في نهجه السياسي إيمانه بالتنظيم، والاعتماد على الذات. ومن هنا كان التنظيم الحزبي بقيادته أكثر إحكاماً وتماسكاً في التزام المبادئ والمنطلقات النظرية التي قرّرتها مؤتمرات الحزب.
وإذا كان نهجه في التنظيم ثمرة ما اكتسبه من تجربة طويلة في المؤسّسة الحزبية، وفي المؤسّسة العسكرية، فإن إيمانه بفكرة الاعتماد على الذات تأسس عنده على ثقة عميقة بقدرات الأمة العربية وطاقات أبنائها على تحقيق الإنجازات الكبرى في ميادين البناء والتنمية. ولإنجاح مبدأ الاعتماد على الذات حضّ دائماً على ترسيخ أسس الوعي، وتطوير البحث العلمي، وتحديث المؤسسات وأجهزتها، وتنمية الإحساس بالمسؤولية، وإعداد الطاقات البشرية لاستثمار إمكاناتها.
كان حافظ الأسد قائداً استراتيجياً تصوراً وتخطيطاً، على الصعيدين القطري والقومي، ولم يكن رهين الأزمات الطارئة، أو الضغوط المرحلية، وإنما كان يسمو فوقها أياً كانت خطورتها، وصولاً إلى الرؤية الإستراتيجية الأكثر بعداً، والأنقى تاريخياً.
لقد نجح النهج السياسي للرئيس الأسد في تأكيد قوة سورية وتقدّمها، وفي أن يكون لها وزن راجح في السياسة الدولية، وكان من الطبيعي، مع هذه السياسة والحكمة والمصداقية، أن يغدو شخصية عالمية، وأن يكون موضع اهتمام القادة ورجال الفكر والسياسة والإعلام، وتجلّى هذا الاهتمام في سلسلة من الكتب التي تناولت شخصيته وسيرته الذاتية وسياسته بالدراسة والتحليل والتأريخ، فبلغت ما يربو على أكثر من ستين كتاباً.