سوسن جلال وردة الفن التشكيلي
أجمع المشاركون في الندوة التكريمية التي أُقيمت مؤخراً في مركز ثقافي أبو رمانة بمناسبة مرور أربعين يوماً على رحيل الفنانة التشكيلية سوسن محمود جلال على أن أصعب أنواع الرحيل هو الرحيل المفاجئ لمبدع كان يعمل وفي جعبته الكثير من الأحلام والمشاريع، لذلك كان رحيل الفنانة جلال الذي أتى دون مقدمات مؤلماً لمحبيها، وشكَّل خسارة كبيرة للفن التشكيلي السوري الذي كان لها فيه مكانة خاصة، وأكدت الإعلامية إلهام سلطان التي أدارت الندوة أن المبدع لا يرحل، فأثره يبقى دوماً شاهداً على الحضور الجليّ له، في حين وصفت الفنانة التشكيلية ومديرة المركز رباب أحمد الراحلة بأنها وردة الفن التشكيلي لكثرة ما رسمت الورود والأزهار في لوحاتها، وأن المعرض الذي افتُتح في صالة المركز على هامش الندوة وما تضمنه من لوحات دليل على ذلك، وقد تحوّلت الصالة من خلال هذه اللوحات إلى حديقة جميلة لتكون شاهداً على تاريخها الفني في كل المراحل. وبيّنت أحمد التي كانت صديقة مقربة لها أن الراحلة كانت رقيقة وعذبة كوريقات الورود التي كانت ترسمها ورحلت وبقي عطرها يضوع، مشيرة إلى أن الراحلة كانت امتداداً نبيلاً وراقياً لعائلة فنية أسّست للفن التشكيلي السوري، فوالدها هو محمود جلال أحد أركان هذا الفن في سورية، وأخوها الراحل النحات خالد جلال، وقد كانت امتداداً فنياً لهما ببصمتها الخاصة وروحها وفكرها وثقافتها ضمن مدرسة خاصة تعنى بالتعبيرية اللونية الواقعية.
شمس في المشهد التشكيلي
وأكد الفنان أنور الرحبي أن جلال غابت جسداً، ولكنها لن تغيب أبداً وستبقى شمساً في المشهد التشكيلي السوري، مشيراً إلى ما كانت تتسم به من تواضع شديد ورغبة دائمة في المشاركة في المعارض التي كانت تنتظرها بفارغ الصبر، متوقفاً عند العديد من الذكريات التي كانت تجمعه بها وعند بيتها الذي كان يشبه الحديقة بلوحاته التي اختصرت عليها كل حدائق دمشق.
سلال من الشوق وتلال من الحب
وأشار الفنان والناقد غازي عانا إلى أنه عندما يتماهى الشكل في لوحات الراحلة تضيق مساحة الرؤية لتتفتح آفاق الرؤيا تيهاً في افتتان اللون وتوهج الضوء ضمن كادر تزدحم فيه الجماليات التي تحير العين التي تتأمل لتكتمل الصورة في العقل الباطن، مؤكداً براعتها في استخدام أدوات تعبير مناسبة للموضوع الذي تختاره وتحبه، فقدّمته في أبدع الصياغات التشكيلية والتقنية بريشتها الواثقة الرهيفة التي كانت تتنقل بها ببراعة وأناقة على بياض الورق أو القماش، تاركة أثرها دون تكلّف أو تردّد على شكل انطباعات أقلها سلال من الشوق وتلال من الحب، مشيراً إلى الورود الكثيرة التي رسمتها بحيوية جمعت بين تألق اللون وتناغمه مع اشتقاقاته ونقيضه في الكادر الواحد.
بصمة خاصة
وبيّنت ممثلةُ اتحاد الفنانين التشكيليين- فرع دمشق مها محفوض أن الراحلة كانت ذات نظرة فنية ثاقبة وذائقة تعبيرية قوية تركت بصمة خاصة في عالم الرسم والتصوير ضمن مدرسة تعبيرية واقعية، وأن الراحلة كانت تشبه لوحاتها المعطرة بأريج ورودها فكانت كالنسمة، شفافة ومحبة للحياة، وتجلّى ذلك في لوحاتها وروعة تكويناتها وألوانها التي كانت تفيض بالحيوية والحياة، منوهة بأن الراحلة لها مكانة خاصة في الساحة التشكيلية وقد نشأت وترعرعت في أسرة فنية عريقة، وكان أول معرض أقامته عام 1993 في المتحف الوطني وضمّ أعمال أخيها الراحل الفنان خالد جلال وأعمال والدها الراحل محمود جلال، كما دعت محفوض في مشاركتها الجهات المعنية للحفاظ على مرسم الراحلة، لأن هناك من يحاول الاستيلاء عليه وهو يضمّ لوحات كثيرة ويشكل إرثاً فنياً مهماً، في حين وعد مدير ثقافة دمشق وسيم المبيض بمحاولة السعي مع محافظة دمشق لإطلاق اسم الراحلة على إحدى المدارس تكريماً لمسيرتها التشكيلية.
يُذكَر أنه عُرض في بداية الندوة فيلماً تسجيلياً قصيراً قامت بإعداده الإعلامية إلهام سلطان قبل رحيل سوسن جلال تحت عنوان “سوسنة بريق الشمس” كانت قد تحدثت فيه الراحلة عن مسيرتها في الفن التشكيلي والمراحل الفنية التي مرَّت بها.
أمينة عباس