قراءة في كتاب “النزوع العنصريّ في الأدبِ الصهيونيّ”
“النزوع العنصريّ في الأدبِ الصهيوني”، دراسة تطبيقيّة للأديب محمد قرانيا، الذي بدأ مرتكزه الثقافيّ من كتابة شعر الأطفال ثم القصة والقصة القصيرة جداً والدراسة والنقد الذي أوصله إلى كتابة هذا البحث، مشيراً إلى ما في الأدب الصهيونيّ من نزوعٍ عنصريّ، يفرض الواجب الثقافي والإبداعي، ملاحظته لمعرفةِ كيفية تفكير العدو.
الأديب قرانيا في بحثه هذا، يذهب إلى تجسيد صورة الأدب، على أنه من الوسائل الفعّالة في توصيفِ المجتمع وتصويره، وضرورة بنائه على مخزونٍ تاريخيّ، فيما إذا كان هذا الأدب يمتلك سلالة ثقافيّة حقيقيّة، خلافاً للأدب الصهيونيّ الذي يحاول المحتل، أن يروج له بمورثاتٍ مبتدعة تقود غالباً وفق ما ذهب إليه قرانيا، إلى الموروث الدينيّ التوثيقيّ، عبر توثيقِ حقٍّ دينيٍّ مزعوم، يخدم الفكر العنصريّ، ويتشبّث بمقولتيّ “أرض الميعاد” و”الهيكل”، ويعمل على تضخيم ونشرِ ما يروّج لتعرّض اليهود للظلمِ في أصقاعٍ بعيدة عن أرض فلسطين، من خلال مقولتيّ: “اليهودي التائه، ومحرقة الهولوكوست”، والظهور بمظهر المظلوم المضطهد.
ما أورده الكتاب، يدلُّ بشكلٍ منهجيّ، أن الأدب الصهيونيّ الحديث، هو أدبُ مجتمعٍ غير متجانس، وأدب أقلّياتٍ لا تجمعهم وحدة وجدانية متناغمة، وهو متنافر لمستوياتٍ متعددة، وتشكّل أرضيته أفكاراً عقائديّة إيديولوجيّة صهيونيّة متعصّبة، فهو في معظم الأحيان يعتمد على الاقتباس والترجمة، ويدعو لحبِّ وطنٍ جديد، كما عند “حاييم نحيان بياليك”، بنشيده الداعي إلى تكوين وطن لما يسمى إسرائيل، وقد اعتمد كنشيدٍ وطنيّ، يقول فيه حاييم: “طالما في القلب تكمن/ نفسٌ يهوديّة تتوق/ وللأمانِ نحو الشرق عين تنظر/ إلى صهيون/ أملنا لم يضع بعد/ حلمٌ عمره ألفا سنة/ أن تكون أمّة حرّة على أرضنا/ أرض صهيون والقدس”.
يكشف الأديب قرانيا أيضاً، عن النزعة العنصريّة، والأفكار الاجتماعيّة التي تدّعي أن الصهيونيّة تمثّل جميع يهود العالم، وتزعم أنهم جميعاً أينما وُجدوا، يدينون بالولاء لها، ويستجيبون لعداواتهم من دون تمييز، فالواقع يدلّ على أن الصهيونيّة واليهوديّة، فكرتان متداخلتان عمدتا إلى تزوير الشريعة الموساوية، كي يتسنّى لها استعمار فلسطين، وهذا ما حاول أن يجسّده كتابهم الذي سعوا فيه، إلى مساواة المستوى الثقافيّ مع المستويات الثقافية الأخرى، عند الدوار وغيرهم.
إضافة إلى ذلك، يكشف الكتاب عن سلوكيات أدبائهم وشعرائهم التوسعيّة الإرهابيّة، كالشاعر “أبي شاي غروسمن” في قصيدته التي قال فيها :
/أراد حلّ أرض إسرائيل/ بحدّ السيف/ بالأكاذيب الكبيرة، الحرب المجنونة/ زرعت في أرض “إسرائيل” آلاف القبور الجديدة.
حتماً، ليس بمقدور أي إنسان أن ينكر، أن العنصريّة هي سيدة هذا الأدب الذي لا يمتلك إلا الفكرة والطرح، ولا يوازي أي جماليّة أخرى في أدبنا الذي يتفوق، ولا سيما في مجال الشعر.
أما بالنسبة للرواية، فقد قدّم الكتاب نماذج فكريّة واجتماعيّة كثيرة منها، لعبت دوراً هاماً في خدمة الأهداف الصهيونيّة، قبل قيام الكيان وبعده، ونُشرت بلغاتٍ متعددة وأكثرها الألمانية والفرنسية والإنكليزية.
أيضاً، حمل المسرح العبري نفساً صهيونياً، وهذا ما كشفه الأديب الفلسطيني الشهيد “غسان كنفاني” في كتابه “الأدب الصهيوني”، مستشهداً بمسرحية “الغريب” لـ”بينسكي”، حيث محاولة تأكيد الهويّة لليهود، وتسليط الضوء على القضيّة المصيرية للدولة الوليدة، ووجود ثقافة لها لا بديل عنها.
يكشف الكتاب أيضاً، خطورة أدب الأطفال التي يسعى لتدريبهم على كره العربي، كما فعل كُثرٌ من الكتاب والشعراء، الذين يعلمون الطفل ما يوهمه ببراءة اليهودي وبشاعة العربي، والروائي “روث رازيل”، نموذجاً، وهناك غيره ممن سعوا، إلى تهويد أدب الأطفال العربي، ولاسيما حكايات ألف ليلة وليلة، وابن عربي وصوفياته وغيرهم.
باختصار، يُعتبر الكتاب نمطاً تطبيقيّاً متفوّقاً في البحث العربيّ، نظراً لعمله على كشف ما تتبنّاه الصهيونيّة من أفكارٍ تسعى لطمسِ الأدب العربي وشخصيته، وتجذير الفكر الصهيونيّ، حتى ولو كان بحالها المزور.
محمد خالد الخضر