فيلم “المتدرب” تعزيز دور المرأة القيادي
“كانت ترى أن الحياة أفضل في أصعب الأوضاع”، هذه الجملة التي رددها “بين” – روبيرت دين يرو – بطل الفيلم الأمريكي الاجتماعي “المتدرب” سيناريو وإنتاج وإخراج نانسي مايرز 2015 الذي عُرض ضمن فعالية النادي السينمائي بالتعاون بين مؤسسة أحفاد عشتار ووزارة الثقافة – المؤسسة العامة للسينما في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، وبسبب طول مدة الفيلم التي تجاوزت الساعتين، اقتصرت الجلسة على عرض هذا الفيلم الذي يعزز دور المرأة القيادي، ويتطرق إلى تغيير مفاهيم المجتمع الذكوري، وفي الوقت ذاته يمنح الأمل للمتقاعدين بأن الحياة لا تتوقف عند سن معين، والأمل موجود دائماً ببدايات جديدة إذا أراد الإنسان ذلك.
الأمر اللافت هو الحضور الطاغي لبطل الفيلم “بين” النجم الأرمل الذي وصل إلى السبعين ومازال بكامل حيويته ونشاطه وذاكرته، فاستحوذ بأدائه العاطفي وإيماءات عينيه وإحساسه بالآخرين على إعجاب الحاضرين، ولاسيما في المشهد الذي تحدث فيه عن زوجته التي توفيت بعد زواج دام اثنتين وأربعين عاماً: “أردنا أن نكبر معاً، هل تعرفين معنى أن نكبر معاً؟”.
كاميرا واقعية
وتمضي أحداث الفيلم منذ لحظة قرار بين الابتعاد عن حياته الساكنة بعد التقاعد وخضوعه لفحص المتدربين في أكبر شركة بيع الأزياء على النت بإدارة الشابة جولز – آن هاثاواي – الذي يقام لمساعدتهم وعودتهم للحياة العملية، تعتمد المخرجة على الكاميرا الواقعية البحتة بلقطات طويلة تتضمن حوارات تدور حول تفاصيل العمل الدقيقة، فتنقل المشاهد إلى عوالم الشركات الكبرى والاجتماعات والتقييم الدوري لأداء العاملين، ومن ثم تحرك الكاميرا التدريجي من خلال السيارة الفارهة السوداء التي تقلّ جولز إلى أمكنة أخرى ترتبط بالحياة الخاصة لها في منزلها الجميل الذي يعني لها السعادة، فتبدو مغرقة في رومانسيتها وهي تتحدث مع بين الذي أصبح مرافقها وصديقها “انظر إليه كل مكان فيه يشبه صفحة من صفحات كتاب الأطفال”.
ركزت المخرجة على شخصية جولز لتدخل عالم المرأة ومعاناتها الخفية واحتمالها ضغوط العمل وإحساسها بالتقصير تجاه زوجها “مات” وطفلتها، فتشرك المشاهد بتفاقم الصراع الذي تعيشه وانعكس ذلك على ما سمّته بـ”قوانين النوم” فهي لا تنام إلا ساعات قليلة.
تمضي المخرجة بتوازي خطوط الحبكة بين مشكلات جولز العائلية والعملية وبين البطل المساعد “بين” الذي دخل إلى الشركة متدرباً، إلا أنه استطاع كسب ثقة كل الشباب الذين حوله بمساعدته لهم.
الآباء الأمهات
ومن خلال المشاهد تفصح المخرجة عن رسالتها بتعزيز دور المرأة القيادي ونجاحها بالعمل وتغيير المفاهيم للمجتمع الذكوري بتبادل الأدوار، فجولز خرجت إلى العمل بينما زوجها مات الذي كما تحدثت عنه في أحد المشاهد “كان نجماً صاعداً موهوباً”، لكنه تنازل عن دوره بالمجتمع ليأخذ دور جولز فيجسّد حالة الأب والأم “الآباء الأمهات” ويمارس دوره الحياتي بالاهتمام بالمنزل والمطبخ ورعاية طفلتهما الوحيدة مقابل نجاح جولز. وقد تكون هذه المسألة غريبة عن مجتمعاتنا لكنها موجودة بنسب قليلة كحالات فردية في مجتمعات متعدّدة.
التحول بحياة جولز إحساسها الخفي بأنها تفقد عائلتها فتقرّر الاستعانة بمدير تنفيذي للشركة لتجد وقتاً أكبر تمضيه مع عائلتها محاولة إنقاذ حياتها الزوجية من الانهيار، ومبيّنة في مشهد مصارحة بينها وبين “بين” خوفها من الوحدة بعد الطلاق “لا أريد أن أدفن وحيدة” في هذا المنعطف تتغيّر كاميرا المخرجة فتعتمد على اللقطات الصامتة التأملية في لحظات التحاور مع الذات كما في مشهد جولز وهي في حمام السباحة المنزلي، وفي الوقت ذاته تطرح تساؤلاً “هل تستغني المرأة في لحظة إحباط عن كل نجاحاتها من أجل الرجل؟ أم تقرر الانفصال والاستمرار بنجاحها العملي؟”.
وتصل إجابة المخرجة بتورية وبشكل غير مباشر برسالة موجهة إلى الأنثى بصوت بين الذي يعرف بخيانة مات قبل أن تعترف له جولز بخيانته مع مدرسة ابنتهما، “هل تتخلين عن دورك بالإدارة لأن زوجك يقيم علاقات”؟.
بداية جديدة
وتتصاعد في المشاهد الأخيرة الأحداث، ففي اللحظة الحاسمة تتراجع جولز عن قرارها بالتخلي عن الإدارة وتعيين المدير التنفيذي رغم معرفتها بأن مات رحل مع عشيقته بيج، لكن المفاجأة تكون بعودة مات بعد ساعات ليرجوها أن تبقى بعملها ويعترف بندمه تاركاً أصابعه تلمس أصابعها من جديد.
وكان للمدلكة دور بالأحداث ضمن مجريات الفيلم بإعجابها بشخصية بين الذي أحبها فيتفقان على أن يكونا صديقين حميمين بعد مشهد مصارحة يحمل بارقة أمل ببداية جديدة رغم المرض والتقدم بالعمر “مطلقة لدي ثلاث بنات جميلات وحفيد، كنت مريضة من عدة سنوات”.
التوازن الداخلي
الأمر الجميل أن المخرج وظّف أيضاً أحد المشاهد الأخيرة الذي صُوّر بحديقة عامة تضمّ بين مع فريق متدربي رياضة التوازن الداخلي بإجراء تمارين التنفس الجيد من جنسيات متعددة إشارة إلى استيعاب الحياة بمنظور فلسفي. وبقيت الرسالة الأهم التي مررتها المخرجة كومضة بارقة لنبذ الإرهاب بإقحام الفيلم مشهد السطو على منزل والدي جولز بطلب منها لحذف جملة كتبتها والدتها دون الإفصاح عن التفاصيل “لأنها إرهابية”.
ورغم تعزيز دور المرأة القيادي إلا أن أحداث الفيلم تشير إلى تكامل الأدوار بالعمل بين الرجل والمرأة وخاصة “بين”.
ملده شويكاني