بالصوت والصورة
أحمد حسن
يعرف الجميع، بالخبرة والتجربة، أن واشنطن حين ترفع راية الديمقراطية في مواجهة بلد ما فهي ترفع راية مصالح محدّدة بدقّة وعناية، وشراسة، ويعرف الجميع، بالخبرة والتجربة أيضاً، أن الدماء سرعان ما تتدفق وتسيل في أعقاب هذه الراية / الذريعة، حتى أن دبلوماسياً أممياً وصف، يوماً ما، مسيرة “الباكس أمريكانا” في أفغانستان بجملة معبّرة – وإن كانت دبلوماسية طبعاً – مفادها أن “واشنطن جلبت الدم ونسيت الديمقراطية”.
تلك هي حال “العم سام” أينما توجهت راياته، وسورية إحدى هذه الجهات التي ظلّلتها هذه الراية السوداء بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان مخفية تحت ألوانها الزاهية قرار “الاركاع والاستتباع” تحقيقاً لهدفين مترابطين: أولهما مباشر، ويتعلق بمكان ومكانة سورية ودورها الأساس في محور مقاومة المشروع الصهيوني وممانعة السياسات الأمريكية الفاجرة في المنطقة – شروط “كولن باول” مثال دقيق على المشروع. رفضها دليل على موقف سورية الممانع – وثانيهما أبعد غوراً ويتمثّل بـ “رمزية” موقع سورية الجيوسياسي وسط صدام وصراع مراكز القوى العالمية على مستقبل العالم.
ولأن الرهان كان كبيراً: إسقاط سورية بما ومن تمثّل، والمرحلة التاريخية مغريّة، فإن المجرم الذي بدأ مساره بجريمة مؤسسة تتمثّل بإبادة شعب كامل واستيطان أراضيه، ثم واصل مسيره الامبراطوري بارتكاب المزيد من الجرائم والإبادات، ارتكب جريمته السورية في وضح النهار دون خشية من أحد، ضارباً عرض الحائط كل القوانين والشرائع الأرضية والسماوية باعتبار أنها قصة أيام وأسابيع قليلة وينتهي كل شيء فيخرج “المجتمع الدولي” راضخاً مصفّقاً للمجرم الذي يدفن ضحيته، ودماءها وقضيتها، تحت رايات انتصاره الكامل.
بيد أن سورية التي كانت، وما زالت، عصيّة على الهزيمة، وبعد أن صمدت في وجه هذه الموجة العاتية، انتقلت اليوم، في سياق المواجهة، إلى مرحلة تحميل المسؤوليات عن الدم والدمار اللذان لحقا بها، وهكذا، بالصوت والصورة، وثّقت دمشق، عبر النيابة العامة العسكرية، المشاركة، بل القيادة، الأمريكية للجريمة الدولية التي تُرتكب ضدها.
الأدلة دامغة وكافية للإدانة، لكنها أيضاً فاضحة لمجرم مارس كل أنواع الإجرام، فهو لم يكتف فقط باستقدام المجاميع الإرهابية من مختلف دول العالم ودعمها وتسليحها، بل إنه احتّل فعلياً، ولا زال، أجزاء واسعة من الأراضي السورية وأقام عليها “قواعد عسكرية ومطارات” تساهم في حماية جهات انفصالية تنهب، وينهب معها المحتّل، ثروات البلاد، من نفط وغاز وقمح، علناً وجهاراً وينقلها إلى خارج الحدود عبر آليات يرتفع عليها العلم الأمريكي “على مرأى ومسمع من العالم أجمع في سابقة لم يشهدها هذا العالم منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها”.
والحال فإن هذا “غيض من فيض” ما تملكه “النيابة العامة” التي قدّمت أيضاً أدلة وبراهين مصورة عن تدريب واشنطن للإرهابيين في معسكراتها وحمايتهم وتوجيههم لإلحاق الضرر بسورية شعباً وجيشاً، “ما سيتيح توجيه اتهامات مثبتة ضد الولايات المتحدة الأمريكية حول دورها في تحضير وتنفيذ عمليات إرهابية على أراضي دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة”.
قد يقول البعض وما الفائدة من كل ذلك في عالم شرعة الغاب الذي نعيشه؟ لهؤلاء، وسواهم، تقول دمشق: إن المواجهة مع المعتدي تتم بطرق عدّة، توثيق الجريمة واسم المجرم وتصرفاته هي إحداها، وهي، أيضاً، أمر أساسي في مواجهة حرب مركبة كان “كي الوعي” أحد أسلحتها الرئيسية، لذلك فإن التوثيق والكشف هو مرحلة هامة في استعادة الوعي المسلوب للبعض، كما أنه وثيقة دامغة سيأتي دورها -خاصة في عالم يتغيّر باستمرار- .. والدائرة تدور.