أردوغان يبحث عن منافذ في الساحة الأفغانية
د. معن منيف سليمان
يبحث رئيسُ النظام التركي رجب طيب أردوغان عن فتح منافذ في الساحة الأفغانية المضطربة، ويحاول على ما يبدو استغلال تطورات ما بعد مفاوضات السلام الجارية بين كابول وحركة طالبان لإيجاد موطئ قدم له في ساحة مرجّحة للعودة إلى حكم “الإسلام السياسي”، وبالتالي تنفيذ أجنداته في المنطقة.
لم تهدأ الجهود التركية التوسعية في أكثر من فضاء إقليمي، ويكاد يكون النشاط التركي في أفغانستان نسخة مطابقة للأصل من نشاطات متناثرة في أكثر من دولة، لكن أنقرة ركّزت في السنوات الأخيرة على التمدّد في جنوب القوقاز وفي آسيا عبر التسلّل تحت غطاء المشاريع الخيرية والتعليمية، فضلاً عن بناء تحالفات متينة مع أذربيجان وعدد من جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً. وفي هذا السياق تسعى للتسلّل إلى أفغانستان عبر بوابات الجمعيات الإنسانية، بينها هيئة الإغاثة الإنسانية، والوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)، وتشكّل هذه الهيئات والمنظمات أذرع تمدّد لأردوغان في المنطقة، وخاصة في الجوار الإقليمي وفي بؤر التوتر حتى العمق الأفريقي.
وفي إطار هذه السياسة يسعى أردوغان إلى بناء المزيد من المدارس والمستشفيات، وهذه المساعدة المباشرة سوف تأتي مباشرة في مصلحة المواطنين الأفغان، وتعزِّز كذلك تعاطف الأفغان مع النظام التركي. فخلال الأعوام الثمانية الماضية تمكَّن نحو ثمانمئة ألف مواطن أفغاني من الحصول على مساعدات طبية من أنقرة. وفي أربع وثلاثين مدرسة تركية يتعلَّم أكثر من خمسين ألف طفل أفغاني القراءة والكتابة، والكثيرون منهم يتعلَّمون اللغة التركية وهو منفذ آخر لتشكيل جيل أفغاني موالٍ لأنقرة، كما عمل في أفغانستان الكثير من الأطباء والضبَّاط والأساتذة والمدرِّسين الأتراك، وقدَّمت تركيا لأفغانستان مساعدات في إنشاء كلّ من جامعة كابول والأكاديمية العسكرية الأفغانية وكذلك المعهد العالي للموسيقى.
وبالمقابل، تشارك أنقرة في مهمّات حلف شمال الأطلسي “الناتو” في أفغانستان، ولكن في إطارها المدني، ولم يكن سبب ذلك يعود إلى خسائر منّي بها الجيش التركي، حيث لم تحدث تقريباً أية هجمات على الجنود الأتراك، بل لأنَّ تركيا كانت تحاول وضع عملها في أفغانستان ضمن إطار إنساني، ولأنَّها كانت تحاول اللعب على ما لها من قواسم مشتركة مع التاريخ الأفغاني.
واليوم يعلِّق النظام التركي أهمية كبيرة على منطقة آسيا الوسطى وأفغانستان، ليس فقط لأن هناك ثروات معدنية كبيرة، بل إنَّ هذه المنطقة تعدّ من وجهة النظر التركية في غاية الأهمية كونها أيضاً تشكّل طريقاً للتجارة ونقل الطاقة إلى آسيا. وكذلك يبيِّن أحدث مشروع من مشاريع البنية التحتية أنَّ تركيا مصرّة في سعيها إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية في أفغانستان، فمن المقرَّر إنشاء خط سكك حديدية يصل من باكستان مروراً بأفغانستان وإيران إلى تركيا.