سورّية الجولان لا تلغيها التصريحات
علي اليوسف
بعد تحفظ وزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن على قرار الإدارة الأمريكية السابقة الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان في شباط الماضي، والذي يعبّر وبكل وضوح عن ازدراء الولايات المتحدة للشرعية الدولية وانتهاكها السافر لقراراتها، انقلب بلينكن على نفسه، خلال زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، وأطلق تصريحات متناقضة مع سابقاتها زاعماً بأن الوضع القائم فيهضبة الجولان المحتلة يجب أن يبقى كما هو طالما “تشكّل سورية تهديداً” للكيان الصهيوني، ما يؤكّد مجدداً انحياز الولايات المتحدة الأعمى لكيان الاحتلال الصهيوني، ودعمها اللامحدود لسلوكه العدواني.
وهذا التصريح الجديد هو انقلاب تكتيكي على المواقف السابقة، والهدف منه دعم حكومة الكيان الجديدة على حساب الحليف القديم نتنياهو، صديق ترامب اللدود، لكنه انقلاب لن يغيّر أبداً من حقيقة أن الجولان كان وسيبقى عربياً سورياً، وأن الشعب السوري أكثر عزيمة وتصميماً وإصراراً على تحرير هذه البقعة الغالية من التراب الوطني بكل الوسائل المتاحة، وإعادتها إلى كنف الوطن الأم، شاء من شاء وأبى من أبى، وهو حق مشروع كفلته كل الشرائع والمواثيق الدولية، وتصريحات بلينكن لن تكون إلا للاستهلاك المحلي واسترضاء اللوبي الصهيوني.
ورغم ذلك، فانقلاب بلينكن على تصريحاته السابقة: “إن الأسئلة القانونية حول الحق في الأرض هي شيء آخر، ويجب فحصها مع مرور الوقت، في حال تغيّر الوضع في سورية”، واستخدامه عبارة “تهديد”، ينبعان من إدراكه هو وإدارته بأن الوضع في سورية تغيّر كثيراً لصالح الدولة الوطنية، بعد دحر الإرهاب المدعوم من قبل أمريكا والكيان الإسرائيلي، واستعادتها معظم الأراضي التي كانت تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، خاصةً في المنطقة الجنوبية، التي كانت يوماً نقطة عبور مهمة للإرهابيين من وإلى الكيان الصهيوني، وهو ما دفع الدبلوماسية الأمريكية للانقلاب على مواقف الأمس، والتأكيد على دعم الكيان في هضبة الجولان.
لقد كان اعتراف إدارة ترامب السابقة رسمياً بسيادة الكيان الإسرائيلي على الجولان في عام 2019 تحوّلاً كبيراً في السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة لعشرات السنين، واليوم يأتي بلينكن ليدعم قرار إدارة سلفه، لذلك من الواضح أنه لن يكون هناك تغيير ما في السياسة الخارجية الأمريكية وفي نهج إدارة بايدن تجاه منطقة الشرق الأوسط، وأن إدارة بايدن ستحنث بوعودها الانتخابية، ولن تصلح الضرر الذي ألحقه ترامب وإدارته في العلاقات الخارجية الأمريكية، وخاصة فيما يتعلق بـ “عملية السلام”.
حتى الآن لم تدرك الولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تملك أي حق أو ولاية تخوّلها أن تقرّر مصير الجولان العربي السوري المحتل، وأن أي اعتراف منها أو أي إجراء ينطوي على الاعتداء على حق سورية في استعادة تلك الأرض المحتلة وسيادتها عليها هو عمل عدواني واستفزازي وغير شرعي لا أثر له، وأن تحرير الجولان من الاحتلال الإسرائيلي، بكل الوسائل التي يكفلها القانون الدولي، لا يزال أولوية في السياسة الوطنية السورية، وحق أبدي لن يخضع للمساومة، ولا يمكن أن يسقط بالتقادم، فالشعب السوري، الذي خاض أعتى معركة عبر التاريخ وواجه أكبر عدوان عرفه التاريخ المعاصر وانتصر، قادر على إلحاق الهزيمة بكل التخرصات الأمريكية، وسيعيده إلى الوطن الأم عاجلاً أم آجلاً، ومهما طال الزمن، وتعاظمت التحديات والتضحيات.