اقتصادصحيفة البعث

طاقتنا الكهربائية.. من تقليدية “صناديق الدعم” إلى المنتظر من “صناديق استثمارية”.. أو هجينة!

دمشق – قسيم دحدل

قد يمرُّ ما صرح به وزير الكهرباء المهندس غسان الزامل، قبل بضعة أيام، خلال متابعته لأعمال الصيانة في الشركة العامة لتوليد كهرباء الزارة (التي نسوق ما يتمّ فيها، مثالاً لا حصراً)، وصولاً لما سنطرحه في هذه المادة، في ضوء مناقشة لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشعب عدداً من مواد مشروع القانون المتضمن إحداث صندوق دعم استخدام الطاقات المتجدّدة ورفع كفاءة الطاقة.. قد يمرُّ مروراً اعتيادياً، لكثرة ما يقرأ المواطن ويسمع، من معلومات وأرقام وأعمال في كافة القطاعات الاقتصادية العامة والخاصة، لا فرق، توضح وتؤكد تحقيق كذا وكذا وتضعه في خانة الإنجازات المُنجزة.

وفي الآن معاً، لا يلمس هذا المواطن ما يدلّ على صحة وحقيقة ما تمّ رغم حدوثه فعلاً، وهنا لا نلوم المواطن الذي أضناه زرع الصبر دون أن يحصد ثمراً، ولا نلومه على عدم “إيمانه” بما يُقال ويُعلن إلاَّ بعد أن يرى ويتلمس وينعكس عليه وعلى تلبية حاجاته وأعماله إيجاباً.

آجلة وعاجلة

للإنصاف، لا نتردّد حين نقول إن هناك ما يدعو للأمل حتى ولو كانت نتائج ما تمّ عمله غير مباشرة، آجلة غير عاجلة، ومردّ ذلك أن هناك قطاعات توصف بالخدمية لكنها استثمارية إنتاجية بامتياز، وفيها من الأعمال الكبيرة العالية التكاليف التي تتطلّب تمويلاً وزمناً وتكنولوجيا، ناهيكم عن استدامة العقوبات والحصار، ما يمنع موضوعياً تلمس نتائجها وفقاً لما نشتهي، ولو بعد حين.

على رأس تلك القطاعات قطاع الطاقة عامة والكهرباء خاصة، حيث منظومته وشبكته وتجهيزاته، بدءاً من محطات التوليد وليس انتهاءً بمراكز التحويل والمحولات، وفوقها كوادره، تعرّضت لما تعرضت -ولا تزال- من نهب وتخريب وتدمير وأخطار، لا ينكرها عدو، لكن هذا الإنصاف والاعتراف لا يعنيان التسليم بقلة الحيلة والتدبير، وهناك من العقول والسواعد القادرة على إيجاد الحلول، وبإمكانها تحويل الآجل إلى عاجل، إذا ما أُتيح لها المجال.

وفورات وخبرات

في ظل هذا الوضع الذي لا ملامة لأحد فيه، إلاَّ ما يكون منه مُرتُكب مُثبت كالفساد والإفساد، نجد وبالعودة لزيارة الوزير إلى محطة توليد الزارة، وكشفه عن أن أعمال الصيانة التي تجري على المجموعة البخارية الثانية في المحطة، بخبرات وسواعد وطنية؛ أن تلك الأعمال توفر ما يعادل 10 ملايين يورو، حيث يتمّ استبدال كافة الخلايا لمسخنات الهواء واستبدال الوصلات المرنة للمرجل، إضافة إلى استبدال كامل القرميد الحراري في المدخنة البالغ ارتفاعها 150 متراً، مع صيانة عامة للعنفة حسب تعليمات الشركة الصانعة.

تلك الأعمال (الصيانة) والتي تبدو للمواطن غير العالم بتقنيات وتعقيدات ومتطلبات هذا القطاع وما يواجهه من تحديات حقيقية، هي من الأهمية الكبرى كونها سترفع استطاعة المجموعة البخارية الثانية إلى قيمتها “الاسمية”، مضيفة استطاعة قدرها 50 ميغاواط لتصبح 200 ميغا واط، مع ضمان استمرارية عملها دون الحاجة لصيانة العنفة لمدة عشر سنوات، حيث من المتوقع وضع هذه المجموعة بالخدمة خلال الشهر التاسع من هذا العام.

مسؤولية عامة

أعمال قد نستسهلها وندّعي البساطة فيها، وأنها لا تحتاج لزمن ولا للكثير من المال والخبرة، لكن الواقع عكس ذلك تماماً، خاصة وأننا نمرّ بمرحلة ممنوع علينا كل ما ينهض بهذا القطاع، لأن من يمنع ويعاقب ويحاصر سورية، يعلم علم اليقين أن الكهرباء عصب الحياة والمُشغّل الأهم للموارد والإمكانيات والخدمات، وبالتالي يعني أن نهوضه وتأمين متطلبات النهضة الاقتصادية الوطنية، هو نهوض لكل القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية والتنموية وحتى الاجتماعية، وهذا ما يحاول المعرقلون منع حدوثه.

بالإمكان هذا..

يجب أن ندرك هذا ونعيه تماماً، كما على المسؤولين والجهات المعنية أن تعيه وتدركه، وهنا لعلنا نساهم بفكرة يمكن أن تكون بذرة نهضة مجدّدة لهذا القطاع الذي يعاني صعوبات تمويلية واستيرادية جمَّة.

الفكرة تتمثل بإنشاء صندوق وطني استثماري، يساهم به كل السوريين في الوطن والمهجر وحتى الأصدقاء، يكون نواة لاستقطاب وتحفيز وجذب المال الوطني وغيره من القطع الصعب، ووضعه في قناة استثمارية يكون لها أنظمتها التي تستطيع توظيف المال السوري لخدمة السوري نفسه وتأمين متطلباته من الطاقة، ما يعني توفر مشغلات الأعمال له، وبالتالي لإنتاجه وحسب صِغَر وكِبَر كل حلقة من حلقات نشاطه الاستثماري والإنتاجي.

دوامة المُجرَّب..!

أما وأن نبقى في دوامة المُجرَّب (صناديق الدعم: مثلاً دعم السخان الشمسي- الطاقات المتجددة- تجربة توزيع مليون مصباح موفر للطاقة الكهربائية بهدف نشر ثقافة الترشيد- إحداث مديريات في كل الجهات العامة مهمتها متابعة تحقيق الترشيد وضبط الهدر للطاقة، حيث لم يتحقق شيء يُذكر منها!!)، والذي لم نفلح في ترجمته وتجسيده حتى ما كان منه قبل الأزمة زمن البحبوحة الرخاء، فهذا أمر يجب تداركه أولاً، لكن هذا التدارك على ما يبدو لم ينضج بعد، والدليل، ها هي لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشعب، تعقد اجتماعها قبل يومين، بحضور غالبية أعضائها، ومشاركة كلّ من المهندس نضال قرموشة معاون وزير الكهرباء لشؤون الطاقة ويونس علي مدير عام المركز الوطني لبحوث الطاقة، تعقد لتُجرب فيما جُرب، حيث باشرت اللجنة أعمالها بمناقشة عدد من مواد مشروع القانون المتضمن إحداث صندوق دعم استخدام الطاقات المتجدّدة ورفع كفاءة الطاقة!!.

إن.. ولا بدْ!

وإن كان لا مناص من وضع “الدعم” في عناوين مثل تلك الصناديق، حيث يتبادر للذهن مباشرة أن تكون الدولة الحامل الأكبر لعبء الدعم، فنقول متسائلين: لماذا لا يتمّ اعتماد صيغة هجينة ما بين صناديق الدعم والصناديق الاستثمارية، أن يكون هناك تمويل رسمي حكومي وتمويل مجتمعي استثماري، تمكّن من التوظيف الأمثل لما يمكن يساهم به السوريون في الداخل والخارج؟.

أقانيم “الأمل والعمل

نأمل وبالعمل المميّز والمختلف في المقاربة والتشريعات والأنظمة، أن يتحقق هذا، وعلى أهل الخبرة والاختصاص إبداع واجتراح الأنظمة والآليات التي توصلنا لما طرحنا، خاصة وأن التجربة والتجريب أثبتا أن الحلول دائماً لا تمرّ وتنجح إذا امتلكنا رأس المال فقط رغم أهميته، لكن الأهم امتلاكنا ثلاثية: “رأس المال والإرادة القوية والحسّ الوطني”، وبتلك الأقانيم الثلاثة يُبنى الإنسان وتعمر الأوطان، وبها نبرهن على الانتماء والإدارة المبدعة الناجحة، لا التقليدية التي أثبتت عقمها.

Qassim1965@mail.com