البؤساء يعلقون فشلهم على مشجب الظروف
غالية خوجة
ماذا لو كانت ظروفنا الواقعية خاضعة لإرادتنا؟ لكُنّا فعلنا كذا وكذا بكل نجاح، لكنّ ظروفنا خارجة عن إرداتنا ولذلك فشلنا.
هكذا..، يندب البؤساء حظهم العاثر وفشلهم المتواصل ليجدوا أقرب نقطة سوداء، أو أقرب شيطان يمر قربهم، أو أقرب شخص في محيطهم، ليلقوا عليه اللوم بفشلهم الذي لم يستطيعوا أن يجعلوه سبباً لنجاحهم.
ولكي لا نكون من هؤلاء الأشخاص الذين قد يرون بانحراف شديد أن آباءهم أو أولادهم أو أزواجهم أو زوجاتهم أو أقاربهم أو زملائهم في العمل هم سبب فشلهم وبؤسهم وتعثرهم في الحياة، علينا أن ننظر باتجاه تلمع فيه شمعة في آخر الكهف، أو تتوهج فيه أشعة القمر الفضية ذات ليلة حالكة، أو تنثر الشمس بزوغها في آخر خيط أسود ينسحب قبل الشفق.
ولا يكفي أن ننظر في ذاك الاتجاه، بل علينا أن نوقد الشمعة المنطفئة، وأن نزرع الصبر مع العمل أثناء اللجج السوداء ريثما يشرق نهار جديد لنصنع فيه الحياة من جديد، وأن نبني ونحن ضمن دوامة الحروب الطاحنة النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والكونية على وطننا المقدس، فقط لأننا نحبه ليس كلاماً فقط، بل أفعالاً أيضاً.
أيٌّ منّا، بكل تأكيد، لا يحتاج لمشجب ليعلق عليه فشله، حتى لو كان مشجب الشيطان والبؤس والفقر والحرب الإرهابية الظالمة والمجتمع ببعض فئاته المغفلة والجاهلة والمتخلفة، بل علينا أن نجعل حياتنا شعلة تضيء وعي الجاهل والمتخلف والمغفل لينقذ ذاته من اليأس والانكسار،ويدرك أن الحياة جميلة عندما يحوّل طاقة الفشل السلبية إلى سبب من أسباب النجاح، فيبدأ من جديد.
ماذا لو كلٌّ منّا ترك لخلايا عقله العمل بطريقة نورانية تتوازى مع طاقة الروح والقلب النورانيتين؟ وماذا لو كلٌّ منّا استطاع تفعيل الطاقة الكامنة في دواخله وأعماقه وأفكاره ووظفها لما يفيد ذاته وأسرته والمجتمع والوطن؟
بلا شك، الخالق تعالى خبّأ في دواخلنا مكنونات لا تحصى، وجعلنا مستخلفين لنعمر هذه الأرض، ونبني الوطن، وقبل ذلك، أن نبني ذواتنا بالعلم والمعرفة و”إقرأ” التي تكشف لنا قراءات عديدة ومختلفة ولا تحصى للحياة بحاضرها وغائبها، لنتعرف إلى مكامن قوتنا بطريقة جديدة، ونواصل ما علينا أن ننجزه ونمضي بارتياح إلى عالمنا الآخر الذي ينتظرنا بعد الموت.
فماذا لو غيّرنا طريقة تفكيرنا، وناقشنا سلبياتنا، وعالجنا ذواتنا وعقولنا وأرواحنا لنغسلها من الصداً السالب، ونمنحها الضوء الموجب؟
وماذا لو أن كلاًّ منّا أدّى ما عليه من واجبات ومهام ومسؤوليات دون أن ينتظر جزاءً من أحد إلاّ من الله الخالق الذي يضاعف له نجاحاته، ويبارك به وبأفعاله طالما أنها خيّرة وموجبة وفاعلة؟
لو كلٌّ منّا فعل ذلك لتغيرت بيئتنا ومجتمعنا وعالمنا المحيط، واستطعنا أن ننافس أنفسنا قبل أن ننافس الآخرين على الخير والعطاء والمحبة والوطنية دون انتظار أي مقابل، رغم أننا نعلم أن علينا أن نشكر الناس، لأن من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
شكراً لكل من يتوق إلى المنافسة الشريفة البيضاء البانية، لأنه يستحق الشكر والتقدير، شكراً لكل إنسان وقارئ يعد نفسه بأن يشجب مشجب الشيطان والبؤس واليأس، ليحول سلبيات حياته إلى إيجابيات جميلة تعيد ترتيب روحه بأناقة، وتعيد البريق للمفقود من ذاته ومجتمعه والحياة.