زواياصحيفة البعث

حقيقة وليست “زلّة لسان”

 طلال ياسر الزعبي

“لم نحصل على ما توقّعناه من المجتمع الدولي في جهودنا لزعزعة استقرار سورية”.. لم تكن هذه العبارة التي أطلقها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان في منتدى أنطاليا الدبلوماسي بأيّ حال من الأحوال زلّة لسان كما تم توصيفها، فهو تحدّث صراحة عن دعم واضح وصريح كان يتلقّاه ممّا يسمّى المجتمع الدولي الذي استخدمه في هذا المكان، غير أنه اضطرّ أن يعزو فشله في مهمته إلى تقصير الجهة التي شغّلته، والتي كانت تنتظر منه – باعترافه – أن يتمكّن من زعزعة استقرار سورية، ولكنّه عجز عن تقديم نفسه خادماً أميناً لمن سخّره لذلك.

وبالتالي، فإن هذه العبارة تنطلي على اعتراف واضح وصريح بأن ما يسمّى “المجتمع الدولي” كان متفقاً على فكرة زعزعة استقرار سورية، وقد استخدم أردوغان مطيّة لتحقيق هذا المأرب مقابل ما يمكن من دعم مادي ولوجستي لتحقيق هذه المهمة، بينما كان الأخير يمني النفس عبر العملاء الذين جنّدهم بإشعال فتنة أهلية في سورية تؤدّي بالمحصّلة إلى تفتيتها خدمة للمشروع الصهيوني الكبير الذي يرمي إلى إشعال فتن طائفية ومذهبية وعرقية في المنطقة، تكون سنداً لإعلان “يهودية الدولة”، مقابل أن يقتطع أردوغان مساحات واسعة من أراضي سورية والعراق كمقدّمة لتحقيق نزعته العثمانية.

ومع تتالي ظهور الحقائق التي تفضح الدور التركي التخريبي في سورية، عبر فتح الحدود وإدخال الإرهابيين من جميع دول العالم بدعم واضح من “المجتمع الدولي”، اضطرّ الجميع إلى التنصّل من هذه الحقيقة وتركوا أردوغان وحيداً للدفاع عن نفسه في مواجهة هذه الاتهامات، وذلك بعد أن اختلفت حسابات الحقل عن حسابات البيدر.

وواضح أن أردوغان ألقى هذه العبارة وفي ذهنه ما نشره زعيم المافيا التركي سادات بكر من فيديوهات متتالية فضح فيها دور أردوغان والمقربين منه في دعم وتسليح الإرهابيين في سورية وفي مقدمتهم تنظيم جبهة النصرة المرتبط بتنظيم القاعدة، إضافة إلى فسادهم المستشري وتورّطهم في جرائم خطيرة بما فيها القتل وتجارة المخدرات.

وكان بكر أقرّ عام 2015 بإرسال شاحنات محمّلة بمعدات تكنولوجية بينها طائرات دون طيار لمجموعات إرهابية متطرفة بريف اللاذقية ونشر حينها على حسابه في شبكة التواصل الاجتماعي صوراً للمعدات والأجهزة التي أرسلها للإرهابيين تتضمّن طائرات دون طيار وحواسيب محمولة وأجهزة لاسلكية وكاميرات فيديو وأجهزة فاكس وطابعات، إضافة إلى كاميرات الفيديو المثبتة على الرأس.

إذن في المحصلة، هناك محاولات حثيثة ممّا يسمى “المجتمع الدولي” للتنصّل من حقيقة دعم الإرهاب في سورية، وليس لدى هذا المجتمع إلا أن يقوم بإلقاء الاتهام على كبش الفداء الذي تمّ إعداده سلفاً لمثل هذا اليوم، ومعلوم أن النظام التركي هو واحد من منظومة الأنظمة العميلة في المنطقة التي تمّ استخدامها لهذه الغاية، والآن بعد أن تكشّفت جميع الحقائق بدا أن الغرب يتنصّل من حقيقة استخدامه لهذه الأنظمة، وبالتالي فإن ما قاله أردوغان لم يكن زلّة لسان، بل هو محاولة أخيرة لتعويم نفسه عبر الاعتراف بأنه كان مجرّد خادم للغرب في هذه المهمة.