دراساتصحيفة البعث

الناتو بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي

عناية ناصر

عندما زار الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ الولايات المتحدة والتقى بالرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، بعث برسالة خطيرة للغاية، إذ قال للصحافة خارج الولايات المتحدة: “ستمتلك الصين قريباً أكبر اقتصاد في العالم، ولديها بالفعل ثاني أكبر ميزانية عسكرية، وأكبر بحرية، ويستثمر الصينيون بكثافة في القدرات العسكرية المتقدمة، ولا يشاركوننا قيمنا”.

الناتو هو تحالف عسكري بالدرجة الأولى، وعادة ا يتمّ إنشاء أي كتلة عسكرية للردّ والاستعداد للحروب ولها خصم واضح، فهل يعتبر الناتو الصين هدفه المستقبلي لمجرد أن لديها قيماً مختلفة؟. بصفته قائد الناتو، يجب أن يكون ستولتنبرغ شديد الحذر بشأن تصريحاته في عصر السلام، لكنه اختار الإدلاء بهذه التصريحات المزعجة لإرضاء الولايات المتحدة فقط!.

منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار حلف وارسو، فقد الناتو سبب وجوده، لكن الولايات المتحدة وأوروبا واصلت تضخيم خطر الحرب، حتى أنهما خلقا تهديدات وأعداء خياليين في محاولة لجعل الكتلة العسكرية تستمر في كونها ركيزة تحافظ على وحدة الكتلة الغربية، ولكن الحقيقة أن مخاطر الحرب قد انخفضت بشكل كبير في أوروبا، لتصبح الأهداف الرئيسية التي سعت إليها الولايات المتحدة وأوروبا مختلفة عن تلك التي كانت خلال حقبة الحرب الباردة.

لكن ما كشف مؤخراً عن استخدام الولايات المتحدة للمخابرات الدانماركية للتجسّس على القادة الأوروبيين يظهر أيضاً أن الأمريكيين يسعون الآن لتحقيق أهداف مختلفة عن تلك التي كانت موجودة أثناء الحرب الباردة. ففي عام 2012، خطّطت الدانمارك لشراء طائرات مقاتلة جديدة، ومن بين الذين قدّموا عرضاً في ذلك الوقت شركة الدفاع السويدية Saab، التي تصنع JAS 39 Gripen، والشركات الأمريكية.

جمعت وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) معلومات عن الدول والشركات الأوروبية ذات الصلة وتجسّست على وزيري المالية والخارجية الدانماركيين إضافة إلى المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني للموظفين المستهدفين في شركة الدفاع “تيرما” ومقرها “آرهوس”. في أيار 2016، أعلنت الحكومة الدانماركية أنها تخطّط لإنفاق 3 مليارات دولار لشراء 27 طائرة مقاتلة من طراز F-35 من شركة الدفاع الأمريكية لوكهيد مارتن غروب.

في المقابل، أجرى جهاز استخبارات الدفاع الدانماركي في عام 2014 تحقيقاً داخلياً حول ما إذا كانت وكالة الأمن القومي قد استخدمت تعاونها مع الدانماركيين للتجسّس على الدانمارك والدول المجاورة. وهذا يدلّ على أن الصراعات بين الولايات المتحدة والدانمارك آخذة في الاتساع.

من منظور تطور الاتحاد الأوروبي فإن هدف التكامل واضح يتمثل في أن يصبح قطباً واحداً يمكنه منافسة الولايات المتحدة. ومنذ الأزمة المالية عام 2008 على وجه الخصوص، أدرك الأوروبيون أن نموذجهم يختلف عن النموذج الأمريكي، بل إنهم قادرون على تجاوزه، لكنهم بحاجة إلى تحسين القوة الاقتصادية بشكل شامل. يعتقد ديزموند دينان، الأستاذ في مدرسة جورج ميسون للسياسة العامة، أن نجاح اقتصاد الاتحاد الأوروبي لا ينبغي أن يأتي على حساب المجتمع ، وفي حين أن التنمية الاقتصادية في الولايات المتحدة قد لا تكون مقيدة بالمجتمع، فإن التنمية الاقتصادية للاتحاد الأوروبي لها معيار اجتماعي قويّ.

إن العامل الرئيسي الذي يؤثر على العلاقات المستقبلية بين الولايات المتحدة وأوروبا هو التنافس بين النماذج المختلفة، وهذا هو السبب في أن واشنطن لا تستطيع أن تلجأ إلى نهج الحرب الباردة التقليدي لجذب الاتحاد الأوروبي وإعادة هيكلة حلفائه، لذلك نجد أن ستولتنبرغ يريد زيادة شعبية الناتو من خلال تضخيم الأيديولوجيات التي لا تتناسب مع مصالح الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فهي غير مجدية.