الردّ على لندن.. والرسالة إلى واشنطن
تقرير إخباري
في الوقت الذي ادّعى فيه “الزملاء الغربيون” – كما تحبّ الدبلوماسية الروسية أن تسمّيهم – وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أنهم يرغبون في “علاقات مستقرّة وقابلة للتنبّؤ” مع موسكو، أطلقت الإدارة الأمريكية يد حليفتها بريطانيا لاستفزاز روسيا بدلاً عنها في البحر الأسود من خلال خرق المدمّرة البريطانية ديفندر الحدود البحرية قبالة القرم، الأمر الذي أكدت موسكو أنه ينذر بـ”عواقب في غاية الوخامة”، متعهّدة باتخاذ ما يلزم من الإجراءات لضمان أمنها، مدركة أن لندن لا يمكن لها القيام بهذا الاستفزاز دون تنسيق مع شركائها الغربيين في حلف شمال الأطلسي “ناتو” وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية المسيطرة على قرارات الحلف فعلياً.
فإذا كانت هناك رسالة معيّنة أراد “ناتو” أو الولايات المتحدة الأمريكية إرسالها إلى موسكو عبر هذا الاستفزاز فإن ردّ الفعل الروسي كان واضحاً وتصاعدياً، حيث حذر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أمام الصحفيين اليوم، “كل من ينتهك حدود روسيا تحت ذريعة حرية الملاحة” من القيام بمثل هذه الخطوات الاستفزازية، مؤكداً أن “أمن روسيا على سلم الأولويات”، وكانت فرضية وقوف واشنطن وراء الاستفزاز حاضرة بقوله: “يمكننا أن ندعو إلى سيادة العقلانية ونطالب باحترام القانون الدولي، وإذا لم ينفع ذلك فيمكننا أن نقصف، وليس خط مسار الهدف، بل الهدف نفسه، إذا لم يفهم زملاؤنا” مجتمعين طبعاً.
وسبق ذلك اتهام الخارجية الروسية حكومة المملكة المتحدة بالكذب حول حادثة خرق المدمرة البريطانية حدود روسيا، ووصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في تصريحات صحفية ردّ فعل لندن على الحادثة بأنه “الكذب في الوجه”، لافتة إلى أن لندن وضعت نفسها في موقع محرج لأن هناك لقطات وأدلة تثبت صحة رواية موسكو، ليست من الجانب الروسي فحسب، بل من مراسل هيئة البث البريطانية “بي بي سي” الذي كان على متن المدمرة، فيما شددت الوزارة على أنها تعتبر هذه الحادثة انتهاكاً صارخاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، لافتة إلى أنه “في حال تكرار مثل هذه الاستفزازات سيتحمل الجانب البريطاني المسؤولية الكاملة عن عواقبها المحتملة”.
جاء ذلك في الوقت الذي شدّد فيه نائب وزير الخارجية الروسي، ألكسندر غروشكو، اليوم، خلال مشاركته في الدورة التاسعة من مؤتمر موسكو للأمن الدولي، على أن الحادثة كانت متعمّدة، وقد تجلب عواقب في غاية الخطورة وغير قابلة للتنبّؤ، إلى المنطقة، محمّلاً الجانب الغربي المسؤولية عن “تصعيد دوامة المواجهة” مع روسيا، وقائلاً: “هذا الوضع قابل للانفجار، وحتى إذا توخّت جميع الأطراف العقلانية، فإنه من غير المستبعد وقوع حوادث عرضية من شأنها أن تؤدّي إلى نزاع حقيقي”.
وأشار غروشكو إلى أن هذه الأنشطة تؤدّي إلى “تحوّل مناطق هادئة جداً من الناحية العسكرية، مثل البلطيق والبحر الأسود، إلى ساحة لمواجهة عسكرية غير ضرورية إطلاقاً”، مشدّداً على أن مثل هذه التصرفات تثير شكوكاً بشأن مدى فعالية الوثيقة التأسيسية المبرمة في عام 1997 بين روسيا و”ناتو”.
إذن، وصلت الرسالة إلى موسكو بشكل واضح وهي أن الأطراف الغربية التي تدّعي في العلن أنها ترغب في علاقات “مستقرة وقابلة للتنبّؤ” مع موسكو، هي ذاتها تبحث عن ردّ فعل روسي غير قابل للتنبّؤ، وقد جاء الردّ الروسي واضحاً أيضاً بأن عدم الاستقرار لن يكون حكراً على منطقة البحر الأسود التي يتم التلاعب بأمنها غربياً، وإنما سيتعدّاها إلى بحر البلطيق، وربّما يفجّر أوروبا كلها، وبالتالي لا داعي لاستفزاز الدب الروسي بشكل مباشر أو عبر الوكيل البريطاني، لأن مثل هذا الاستفزاز يمكن أن يتدحرج إلى نتائج وخيمة “وغير قابلة للتنبّؤ”.
طلال ياسر الزعبي