القطرية والفشل التنموي والاقتصادي
د. رحيم الشمخي
كاتب عراقي
هناك خلط واسع في العالم العربي بين تنمية الفرد وتنمية المجتمع، فليست هناك دولة عربية أحسن من دولة عربية أخرى لا في الإصلاح ولا في التنمية ولا في الاستغلال الأمثل للموارد، هناك جهل مطبق وأنانية مفرطة ومحلية وتنافس نحو الأسوأ خلافاً وتناقضاً مع مبدأ المنافسة التي كان يمكن أن تكون ميداناً للسباق باتجاه العلم والرخاء الاقتصادي في ظل الفوضى الحالية التي تنتاب العرب ككل وتشكل حالة من التبلد الذهني والاقتصادي والاجتماعي.
ويعتقد باحث عربي معروف هو الدكتور محمود عبد الفضيل “أن ليس هناك من يختلف على حقيقة الفشل التنموي الملحوظ في المنطقة العربية خلال العقود الثلاثة الماضية (السبعينيات، الثمانينيات، التسعينيات) وما بعدها إذا ما قورن بحجم الإنجاز التنموي الهائل الذي حققته بلدان آسيا الناهضة قبل تعرض أسواق هذه الدول لانتكاسة مدمرة يقال الآن إنها من صنع وتفكير الدول الغربية الكبرى التي ساءتها قدرة دول النمور الآسيوية على منافستها في الأسواق الدولية”.. والملاحظ بهذا الصدد أن الفشل التنموي العربي مقارنة بالتجربة التنموية في جنوب شرق آسيا، لا يعود إلى قصور المدخرات بل إلى تبديدها وليس إلى قلة الاستثمارات بل إلى سوء توزيعها وليس إلى ضعف رأس المال البشري بل إلى نزيف العقول وتهجير السواعد، وهناك جملة فوارق حضارية بين الأداء العربي وبين الأداء الآسيوي قاد إلى خلق هوة بين مفاهيم الأداء التصديري لدى الطرفين وإلى خلق فجوة بين الادخار والاستثمار وإلى تنغيم وتفعيل الفواصل بين درجة إشباع الحاجات الأساسية للسكان، وإلى تأكيد التباين بين معدل نمو الدخل الفردي الحقيقي وبين دراسات السكان وأخيراً إلى غياب العدالة في ما يُسمّى بتوزيع الدخل.
وعلى صعيد أداء الصادرات، تشير أرقام عربية ودولية رسمية إلى أن إجمالي حجم الصادرات غير النفطية لإجمالي الدول العربية بلغ 65.7 مليار دولار أمريكي في عام 2018 مقارنة بـ 534 مليار دولار هي جملة صادرات خمس دول بلدان ناهضة مثل: الصين، سنغافورة، كوريا الجنوبية، ماليزيا، وتايلند، وإذا ما أدخلت الصادرات النفطية في الاعتبار فإن قيمة الصادرات النفطية وغير النفطية لمجموع البلدان العربية لا تتجاوز 176 مليار دولار من الناتج القومي الإجمالي.
إن السمات التاريخية للمنطقة العربية من حيث كونها عقدة للتجارة العالمية عبر العصور، ومن حيث كونها مهبط الديانات السماوية الكبرى، هو ما جعلها ساحة صدام بين الإمبراطوريات ونقطة صدام حضاري وديني وثقافي. كما أن سمة الوحدة كانت دائماً السمة الأساسية في تاريخ المنطقة، وهي سمة ولدتها الحاجات الموضوعية للتجارة والثقافة والدين، ولم يولد داخل المنطقة نظام إمبراطوري أو سيطر عليها نظام إمبراطوري خارجي إلا وسعى إلى توحيدها ولم شتاتها، بغض النظر عن مستوى وطبيعة البنى الاجتماعية السائدة فيها، على أن التجزئة في المنطقة كانت دائماً مراحل عابرة سرعان ما تراجعت أمام حاجات الوحدة، إلى أن جاء الإسلام وتم تعريبها الاثني والثقافي مشكلاً عاملاً ذاتياً حاسماً يضاف إلى عوامل الوحدة الموضوعية، ويمكن لنا أن نرد نشوء التجزئة العربية الحديثة إلى نتائج الحرب العالمية الأولى والدور الإمبريالي المتزايد في شأن المنطقة العربية ومقدراتها، هذه الحال من التجزئة تولد آلياتها الداخلية وذلك لأن الضغوط الخارجية، من ناحية، وعوامل التنافس والخوف والتدافع بين دول قطرية متفاوتة القوة والثروة والتوجهات تحكمها نخب وأنظمة تسعى إلى إدامة امتيازاتها، من ناحية أخرى تدفع باستمرار ضد توجهات الوحدة، وليس ثمة من شك أن القاعدة العربية الشعبية في مختلف الأقطار كانت ولا تزال الحاضن لتوجهات الوحدة، وأن هذه القاعدة هي التي تطرح هذه التوجهات في الحياة السياسية للعرب بشكل واضح وفعّال كلما طرأت أو ارتفعت حدة إحدى القضايا التي تخص الأمة ككل، مثل القضية الفلسطينية أو العدوان الخارجي على الأقطار العربية مثل العراق وسورية وليبيا واليمن.