المهام الإدارية بين التغيير المعهود والتطوير المنشود
إن إطلاق شعاري الإصلاح ومكافحة الفساد منذ سنوات، جاء رداً على الفساد والخلل الذي ينتاب العديد من الجهات العامة، بدرجات متفاوتة بين زمان ومكان، ولا زالت استمرارية إطلاق الشعارين قائمة حتى تاريخه، بل ومطروحة مجدداً، لأن ما تم من أعمال كان أدنى بكثير من فيض ما كان من أقوال، وما ترتب على ذلك من آمال، فالتطلعات الفكرية لم تحظ بكفاءات القيادة العملية، إذ ما من حكومة كانت أفضل من سابقتها، ويكاد ينطبق ذلك على العديد من الإدارات، والشكوى من ضعف الإمكانات الذي هو قائم فعلاً، لا يبرر ضعف القدرات في الاستثمار الأمثل لما هو موجود منها، بدليل أن بعض الجهات حققت العديد من الانجازات نتيجة الاستفادة المثلى من الإمكانات المترافقة مع مبادرات أثمرت الكثير من الإضافات، خلافاً لتردي واقع إدارات أخرى، لم يحسن إداريوها الاستفادة من إمكاناتها بل أضعفوها في مكانها، وحدَّوا من القدرة على تجديدها مستقبلاً، وبدا أنهم لا يرغبون أو لا يستطيعون أن يعطوا إلا ما يطلب منهم أمراً أو يكلفوا به قسراً، بالتوازي مع سعيهم الحثيث لتحقيق أي مكسب شخصي تحت عنوان وآخر، وتغطية ذلك إدارياً ومالياً، من خلال التنسيق بين المفاصل العليا والوسيطة المعنية بذلك.
تحت عنوان التطوير والتحديث تم خلال الأعوام الماضية الكثير من حالات التغيير في مناصب العديد من الإدارات العامة، وقد شهدت الأشهر الأخيرة عشرات من هذه الحالات في الإدارات العليا، بالتوازي مع بقاء العديد في مناصبهم لسنوات واستمرارية ما هم به وعليه، وواقع الحال يظهر أن أكثر من بقوا في أماكنهم لم يطوروا بما يتواكب مع الطموح المنشود، وأكثر من جاؤوا مجدداً لم يهدفوا التطوير ولم يملكوا القدرة حال رغبوا ذلك، مع التأكيد أنه من الإجحاف إنكار أو تجاهل ما حدث من تحديث وتطوير بين مكان وزمان، ولكن الواقع العام للإدارات يظهر أن ما تحق كان دون الطموح المنشود، وكثير من التجديد في المناصب الإدارية انطبق عليه التبديل والتغيير أكثر مما انطبق عليه التحديث والتطوير.
مدعاة للسرور الكبير أن المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي تم إطلاقه قبل أعوام كان وما زال محط اهتمام السيد الرئيس شخصياً، وتكرس هذا الاهتمام خلال لقاء سيادته مع فريق الإصلاح الإداري المعني في هذا المشروع أواخر شهر أيار الماضي، لاستعراض منجزات الأعوام الماضية، ومناقشة المنغصات والمعوقات التي حدت من تحقيق المعمول قياسا بالمأمول، منوهاً بأن المنهجية المتكاملة في التفكير والعمل وطرح المقترحات هي الأساس القوي لنجاح أي مشروع، مؤكداً أن الأولية للإصلاح الإداري هو المدخل الأساس لبنية قوية للدولة، وأكد الحاجة الماسة لمزيد من الحوار الوطني في هذا الشأن، بغية اكتمال الرؤية والوصول إلى قرار سليم، وفي طليعة ذلك الحوار الداخلي بين أعضاء فريق الإصلاح لكي يكون مدخلاً لوضع منهجية للحوار مع الآخرين، بغية إقناع المؤيدين الذين لم يلمسوا نتائج المشروع حتى الآن، ومع الممانعين الذين لا يريدون رؤية تلك النتائج أساساً ويقومون بتشويه سمعة المشروع، فالحوار هو العامل الأساس في تقديم الأفكار المحكمة والمقنعة، ما يجعل من المفيد أن يكون للمواطنين دور، ومن الضروري أن يتفهموا دورهم من خلال الإعلام العام، ومن خلال المكاتب الإعلامية في الوزارات، وعلى الأخص المكتب الإعلامي في وزارة التنمية الإدارية.
فالآمال معلقة قريباً على أن تكون الجهات المعنية منفردة ومجتمعة منشغلة بالإعداد لاعتماد وتنفيذ توجهات السيد الرئيس، بغية الارتقاء التدريجى بالمشروع الوطني للإصلاح الإداري، وأن تكون الجهود منصبة للتكليف بالمهام في ضوء الأهلية والخبرة والنزاهة، وأن تكون التعيينات في المناصب آخذة في الاعتبار، ضرورة أن يكون لدى كل مكلف بمهمة، رؤية مسبقة عن واقع المهمة المكلف بها والمهام التطويرية والتحديثية التي ستلقى على عاتقة، ومدى استعداده المسؤول عن انجاز ذلك، وفق برنامج زمني مدروس ومعد يعتمد العمل لتنفيذ المتطلبات في ضوء الاستثمار الأمثل لما هو متاح من معطيات.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية