دراساتصحيفة البعث

ميزانية الدفاع الأمريكية 2022

ريا خوري

أظهرت جميع المواقف التي أبداها كبار المسؤولين الأمريكيين وعلى رأسهم الرئيسان دونالد ترامب وجو بايدن حجم العداء الكبير للصين، واليوم تجسد هذا العداء بالتحضير لعمليات عسكرية مستقبلية تتسم بأنها ستكون أكثر شراسة، وأكثر ضراوة. ولو ألقينا نظرة سريعة على مشروع ميزانية الدفاع الأمريكية للعام القادم 2022، لوجدنا حجم الإنفاق الهائل على التسليح، وخرجنا بنتيجتين رئيسيتين: أولهما أن الصين أصبحت ولأجل غير مسمى العدو الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة وليس مجرد منافس كبير. ثانيهما أن الحديث عن انتهاء عصر الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة الأمريكية في العالم مجرد أوهام أو وعود جميلة براقة لكنها كاذبة، وأن ما تفعله الولايات المتحدة ليس مجرد تدعيم لدفاعاتها وقدراتها القتالية بشكل يفوق التصور، بل الاستعداد بجدية لجولة جديدة من الحروب الأكثر ضراوة  وشراسة مما كنا قد سمعناه أو شاهدناه، وليس ضرورياً أن تكون اليوم، لكنها ستحدث لا شك في ذلك.

لقد طلبت وزارة الدفاع الأمريكية من الكونغرس تمويلاً مالياً بقيمة سبعمائة وخمسة عشر مليار دولار لتغطية تكاليف العمليات العسكرية، وإعاشة وتسليح القوات لمدة أطول وأقوى. يضاف إلى ذلك تمويل بقيمة ثمان وثلاثين مليار دولار أخرى تخصص لبرامج دفاعية، تتبع جهات أخرى غير البنتاغون  مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الطاقة وغيرهما. بالتالي تصبح القيمة الإجمالية للإنفاق الدفاعي الجديد سبعمائة وخمس وثلاثون  مليار دولار، أي بزيارة 1،7%  على العام المالي الحالي 2021 .

الجديد في الأمر واللافت للنظر، هو وجود تفاصيل خطيرة تتضمنها بنود الميزانية الأمريكية القادمة هو الإنفاق بسخاء على تطوير السلاح النووي الأمريكي وإحلال جيل جديد  ونوعي من الأسلحة الذكية والأكثر تطوراً محل الجيل الحالي المستخدم. كما يسترعي النظر هو تخصيص خمسة مليارات دولار دفعة واحدة  لدعم مبادرة الردع من أي تحرك دولي لمنطقة المحيط الهادي، وهو برنامج عسكري استحدثته الولايات المتحدة خصيصاً لمواجهة الصين في محيطها الإقليمي بشرق آسيا.

إن الإنفاق العسكري الأمريكي الضخم لا يستهدف الصين وحدها بطبيعة الحال، بل هي عملية تمويل لأموال الحرب وجني ثروات الحروب، وهي تجارة رابحة حسب ما قاله ضابط أمريكي كبير برتبة كولونيل وليام استور، ثم أستاذاً للتاريخ في أكاديمية القوات الجوية. يرى الكولونيل وليام استور أن الولايات المتحدة  تخصص ميزانيات هائلة  لشن المزيد من الحروب، ولن تتوقف عن ذلك بصرف النظر عن الخطاب السياسي السائد الذي يتبناه القادة السياسيون لاعتبارات انتخابية مفهومة من أجل الوصول إلى السلطة.

لقد كلفت الحرب في أفغانستان ما قيمته 2.3 تريليون دولار، وكلفت الحرب على الإرهاب الخزينة الأمريكية بمعظم الجبهات المتوزعة في العالم نحو 6.4 تريليون دولار. من هنا يؤكد الباحث الكولونيل وليام استور أن مشروع الحرب لم يكن عقبة نهائياً على الرغم من أن الكلفة أصبحت باهظة وهائلة.

الجدير بالذكر أنَّ الولايات المتحدة لا يمكن لها أن تدوم بدون الحروب، ولا يمكن لقادتها التخلي عن خوض المعارك في جميع أنحاء العالم، وذلك لأنَّ الحروب تجلب المال والربح، وسبباً لوجود البنتاغون الذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من هيكلة السلطة في أمريكا.