د. الحوراني: لن يناسبنا فخ “التكلّس” ولا بد من التخطيط الثقافي
كان الطريق من حلب إلى دمشق مفعماً بالأمل وهو يطلّ مثل شمس دمشق الأنيقة، ويلمع مثل رقيّها، إلى أن وصلنا إلى المزة لندخل مبنى اتحاد الكتّاب العرب بدمشق للمشاركة في اجتماع هيئات المكاتب الإدارية للفروع القادمة من جميع المحافظات السورية.
يبتسم المبنى محتفلاً باحتضان أعضائه منذ المدخل المتوّج بشعاره وعام تأسيسه 1954، بينما تشمخ القاعة التي اجتمعنا فيها بصورة السيد الرئيس بشار الأسد، وبلوحة خطية من كلماته، تشعر بأن صوته يقرأها: “الاستثمار في المشاريع الثقافية هو الاستثمار الأكثر ربحاً لأنه يبني الإنسان المنتمي والمتسلح بالمعرفة”.
تفعيل ثقافي متكامل
وكان أن اجتمعنا لمناقشة العديد من المحاور المهمّة والمفصلية من إجراءات وكيفية معاصرة وحداثية تبتعد عن التقليدية، التي ركّز عليها رئيس الجلسة د. محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتّاب العرب، بحضور المكتب التنفيذي للاتحاد وأعضاء الوفود، وعدد من وسائل الإعلام.
افتتح الحوراني الاجتماع التحاوري، طارحاً العديد من النقاط والرؤى والأسئلة والحلول المستقبلية، مشيراً إلى ضرورات التشبيك الثقافي واستثماره وصناعة الثقافة، انطلاقاً من التأكيد على نوعية الأنشطة والفعاليات لا كميتها وما ترصده من مكافآت مالية.
وتابع الحوراني: التناغم الثقافي ضرورة في المرحلة الحرجة من إعادة البناء والإعمار و”الأمل بالعمل”، ولا بد لتحقيق ذلك من تفعيل متكامل للمنتج الثقافي ما بين المركز والفروع، ولاسيما أن عملنا التطوعي الثقافي عمل جاد، وما كان يناسبنا قبل 30 سنة لن يكون مناسباً الآن، لذلك علينا البناء على الإيجابيات السابقة وابتكار الوهج المعاصر من أجل الاستمرار باستدامة متطورة، ومسؤولية كبيرة ذات استراتيجية ومنهجية مناسبتين، ولا بد من التخطيط الثقافي الذي لا يقع في فخ “التكلّس”، و”التكرار”، و”المنفعة الخاصة”.
الاستثمار الثقافي
وتشارك الحاضرون في المناقشة، مؤكدين على المسؤولية كضرورة تمحو التقصير، وتتواصل مع الناس وحاجاتها الثقافية، والذهاب إلى الناس بمختلف الوسائل المعاصرة التكنولوجية والإعلامية والمكانية، وهذا ما عكسته معارض الكتب التي أقامها الاتحاد في المحافظات، والانتقال بالكتاب إلى الجامعة والطلبة، والعمل على إنشاء أكشاك لبيع الكتب في مختلف المحافظات، إضافة إلى إقامة بعض الفروع لبعض الأنشطة بعيداً عن المقر.
ولفت المشاركون في الاجتماع إلى ضرورة الاستثمار الثقافي والإبداعي، وتعزيز الانتماء للوطن من خلال الأنشطة الثقافية، والعمل على اكتشاف المواهب، والاهتمام بالمواهب الجادة، وتوسيع الانتساب لعضوية الاتحاد لمن تتوافر فيه الشروط ويستحق، مع إمكانية إقامة ورشات الكتابة الإبداعية المأجورة.
وناقش الاجتماع أبعاد الإدارة الثقافية، وكيفية التواصل مع الأعضاء إنسانياً وأدبياً، وضرورة التزام الأعضاء بالحضور والتفاعل والمشاركة، محايثة مع ضرورة التواصل مع الجهات الثقافية والتعليمية مثل الجامعات ودورها ليس في استضافة المعارض المؤقتة والدائمة، بل أيضاً أن تهتمّ بالكتّاب من خلال تدريس كتبهم في مناهجها، وتوجيه الطلبة لدراسة أعمالهم في مرحلة الماجستير والدكتوراه، وضرورة التواصل التفاعلي مع المؤسسات التعليمية، والتربوية، والبلديات، ومديريات الثقافة، والجمعيات الثقافية الأثرية.
المساهمات
ولفت المجتمعون إلى ضرورة الاهتمام المادي ولاسيما من مخصّصات الجانب الثقافي في البلديات وغيرها، مع ضرورة مساهمة رجال الأعمال والمستثمرين وغرف التجارة والصناعة في التمويل المادي، وإمكانية إنشاء صندوق تمويلي من غرفة تجارة وصناعة كل محافظة لفرع الاتحاد في المحافظة.
آليات متجددة
وقدّم المشاركون في الاجتماع اقتراحات مستقبلية عديدة، منها إنشاء مجلس أعلى للثقافة، وضرورة الإشارة إلى الأخطاء وانتقادها واختيار الأفضل على صعيد الإجراءات وكيفية تطبيقها والقوانين الخاصة بالاتحاد، والبحث عن آليات عمل جديدة في دوائر ومؤسّسات الفروع، مع التساؤل عن كيفية بناء نسق جديد من الكتّاب، وكيفية الاستثمار في الثقافة وصناعة الثقافة، من خلال العمل بمحبة، والعمل على تفعيل الدفع الإلكتروني للمواقع الثقافية الافتراضية، وطباعة الأعمال الكاملة للأحياء والأموات.
مشروع وطني
ولأهمية الجانب الإعلامي، أكد المجتمعون على ضرورة توظيف وسائل الإعلام المختلفة للأنشطة الثقافية إعلاناً وإعلاماً وتفعيلاً، وضرورة التعاون الإعلامي لإنجاز برامج ثقافية مع الاتحاد، عدا عن تغطية الفعاليات الثقافية التي يقيمها الاتحاد بكافة فروعه، لأن إعلامنا يهتمّ بالثقافة الوطنية. كما لا بد من الاهتمام بتحويل الروايات إلى مسلسلات تلفازية وتمثيليات وأفلام تلفازية وسينمائية من خلال مشروع وطني درامي يوثق بطولات الجيش العربي السوري ومعاناة الشعب العربي السوري الذي انتصر على الحرب الكونية الإرهابية.
ومن الاقتراحات المتناغمة إنشاء جائزة سنوية لأفضل فرع اتحاد كتّاب يقدّم لمحافظته المميز ويساهم في تحقيق الأهداف العليا والابتكارية للثقافة، وإقامة مهرجان أدبي موسيقي تشكيلي لكل فرع، وأن يكون في مكان أثري استراتيجي وأمكنة عامة لتحقيق الهدف الاجتماعي التواصلي مع الثقافة، مثل القلاع والساحات العامة والحدائق والملاعب والنوادي الرياضية والاجتماعية.
الهوية الثقافية
وانتهى اجتماع الهيئات الإدارية لفروع اتحاد الكتّاب العرب بجملة من الاقتراحات الهادفة، والتوصيات المهمّة، المصرّة على تفعيل المسؤولية بأبعادها الجوهرية، وأهدافها القريبة والبعيدة، لتتمّ غربلة المشهد من الشوائب، والارتكاز على تفعيل الثورة الثقافية الإبداعية والاجتماعية والإنسانية وتشبيكها الانتمائي هوية ووطناً.
غالية خوجة