إيران تزداد تقارباً مع روسيا والصين
“البعث الأسبوعية” ــ تقارير
في أول مؤتمر صحفي له كرئيس منتخب، لم يدع إبراهيم رئيسي، أمام غابة من الميكروفونات، شيئاً للمخيلة، فقد كان على غاية الوضوح فيما يتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة أيضاً باسم الاتفاق النووي الإيراني، الملف الذي يطارد الغرب، مؤكداً أن على الولايات المتحدة أن تعود على الفور إلى الاتفاق الذي انتهكت واشنطن شروطه من جانب واحد، وأن ترفع جميع العقوبات، وأن المفاوضات سوف تستمر في فيينا، لكنها لن تكون قادرة على فرض شروط جديدة على إيران فيما يتعلق بمستقبلها، وشدد أخيراً على أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني غير قابل للتفاوض على الإطلاق، ولن تتم عرقلته.
وعندما سأله صحفي روسي عما إذا كان سيلتقي بالرئيس الأمريكي جو بايدن، إن تم التوصل إلى اتفاق في فيينا، وإن تم رفع العقوبات – “إن” – كان رد رئيسي “لا” قاطعة.
من المهم التأكيد على أن رئيسي يؤيد، من حيث المبدأ، إعادة العمل بخطة العمل الشاملة المشتركة كما تم توقيعها في عام 2015، وفقاً لتوجيهات المرشد الأعلى آية الله خامنئي. لكن في حال تواصلت حفلة فيينا التنكرية إلى أجل غير مسمى، واستمر الأمريكيون في الإصرار على إعادة كتابة الاتفاقية للدخول في مجالات أخرى من الأمن القومي الإيراني، فسيكون ذلك خطا أحمر لا يمكن تجاوزه.
واعترف رئيسي بالتحديات الداخلية الهائلة التي يواجهها، وهي إعادة الاقتصاد الإيراني إلى مساره الصحيح، ووقف الزخم النيوليبرالي لفريق روحاني المنتهية ولايته، والتصدي للفساد المستشري. ومع ذلك، عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، فإن مسار إيران لا لبس فيه، فهو يركز على استراتيجية “التوجه شرقاً”، والتي تتضمن تعاوناً أوثق مع الصين وروسيا، بحيث تصبح إيران منصة أساسية للتكامل الأوراسي (أو وفقاً للرؤية الروسية، “شراكة أوراسيا الكبرى”).
يقول البروفسور محمد ماراندي من جامعة طهران: “سيكون هناك اهتمام كبير بالشرق والبلدان الناشئة.. ستعمل إيران على تحسين علاقاتها مع الصين وروسيا، خاصة تحت الضغط والعقوبات الأمريكية. سيكون الرئيس المنتخب رئيسي في وضع أفضل لتقوية هذه العلاقات من الإدارة المنتهية ولايتها”.
وبحسب ماراندي، فإن إيران “لن تقوض الاتفاق النووي عمداً إذا تحرك الأمريكيون – والأوروبيون – نحو تنفيذه كاملاً. سيرد الإيرانيون الجميل بالجميل”. ومع ذلك، فإن “الجيران ودول المنطقة ستكون أيضاً من الأولويات. لذلك لن تنتظر إيران بعد الغرب”.
في تصريحات دقيقة، قال ماراندي إن السياسة الحالية كانت “خطأ فادحاً” لفريق روحاني، لكنها “ليست خطأ الدكتور ظريف أو وزارة الخارجية، بل الحكومة ككل”.
الاستنتاج الذي يستخلصه المرء من هذه الملاحظة هو أن إدارة روحاني قد راهنت بكل شيء على خطة العمل الشاملة المشتركة، ولم تكن مستعدة على الإطلاق لهجوم “الضغط الأقصى” الذي شنه ترامب – والذي، لسخرية القدر، ألحق أكبر الضرر بالطبقة الوسطى في إيران. وباختصار، سيسعى عهد رئيسي إلى كسر “الصبر الاستراتيجي” مع الولايات المتحدة، وإلى الردع النشط.
منصة للحزام والطريق
أولئك الذين يسيطرون على سردية “المجتمع الدولي” استقبلوا صعود رئيسي بالصفات المتوقعة من الشيطنة: إنه مخلص لـ “الآلة القمعية”، و”الرجل القوي”، ومنتهك حقوق الإنسان، والجلاد، والمتعصب المناهض للغرب أو، ببساطة!! وقد دعت منظمة العفو الدولية إلى التحقيق معه باعتباره مرتكب جرائم ضد الإنسانية.
ولكن الحقائق أكثر واقعية، فالرئيس المنتخب من مواليد مشهد، وحاز على درجة الدكتوراه في الفقه وأصول الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى شهادة أخرى في الفقه الإسلامي من مدرسة قم. وكان عضوا في مجلس الخبراء ورئيساً للسلطة القضائية على وجه الخصوص. وقد لا يكون على دراية بأسلوب الحياة الغربية، لكنه ليس “معادياً للغرب”، ويعتقد أن إيران يجب أن تتفاعل مع جميع الدول.
لكن على أي حال، يجب أن تتبع السياسة الخارجية الإيرانية إرشادات خامنئي الواضحة جداً. وهنا يبدأ كل شيء بمفهوم آية الله الخميني التأسيسي لجمهورية إسلامية متأثرة بجمهورية أفلاطون، وكذلك بالمدينة الفاضلة للفيلسوف الفارابي (المتأثراً بأفلاطون أيضاً).
ففي الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية، قام خامنئي بتحديث مفهومه للسياسة الخارجية كجزء من برنامج واضح للمستقبل، وقد سعى جاهداً لتحقيق التوازن والعدالة. ولا يمكن أن يكون خامنئي أكثر صراحة عندما يكتب إن “التحدي الذي يواجه الولايات المتحدة اليوم هو وجود إيران على الحدود المحيطة بالنظام الصهيوني، وتفكيك نفوذ أمريكا ووجودها غير الشرعي في غرب آسيا”.
إذا كانت مشكلة الغرب في ذلك الوقت هي منع إيران من شراء حتى أكثر الأسلحة بدائية لدفاعها، فإن التحدي اليوم هو منع الأسلحة والمعدات العسكرية والطائرات الإيرانية بدون طيار من الوصول إلى جميع أنحاء المنطقة.
إذا تخيلت أمريكا في ذلك الوقت أنها يمكن أن تهزم النظام الإسلامي والأمة الإيرانية بمساعدة عدد قليل من الخونة الإيرانيين للبيع، فإنها تجد نفسها اليوم في حاجة إلى تحالف واسع من عشرات الحكومات المعادية، ولكن الضعيفة، لمحاربة إيران. ومع ذلك، فقد فشلت.
فيما يتعلق بسياسة القوى العظمى، صاغ خامنئي سياسة إيران المتمثلة في “التطلع إلى الشرق”، وأيد بالكامل شراكة استراتيجية شاملة بين إيران والصين بقيمة 400 مليار دولار، مرتبطة مباشرة بمبادرة الحزام والطريق؛ كما أنه يؤيد انضمام إيران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا.
لذلك يجب أن يُنظر إلى إيران على أنها مركز اتصال رئيسي لأوراسيا، ما سيشكل مستقبلها الجيوسياسي والجيواقتصادي. وكما أشار ماراندي، فإن مستقبلها لن يتشكل من قبل الغرب.
تستثمر الصين في البنوك، والاتصالات، والموانئ، والسكك الحديدية، والصحة العامة وتكنولوجيا المعلومات، في إيران، ناهيك عن التوقيع على تطوير أسلحة ثنائية وتبادل معلومات الصفقات.
على الجبهة الروسية، سيأتي الزخم من تطوير “ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب”، والذي يخوض منافسو قوية ومباشرة مع ممر بري شرق – غرب يشمل إيران والعراق وسورية ولبنان، والذي قد يتعرض في أي وقت لعقوبات أمريكية خارج الحدود الإقليمية.
أبرمت إيران بالفعل اتفاقية تجارة حرة مؤقتة مع “الاتحاد الاقتصادي الأوراسي”، والتي دخلت حيز التطبيق في تشرين الأول 2019. ويمكن إبرام اتفاقية حقيقية مع إيران، كعضو كامل، في الأشهر الأولى من عهد رئيسي، مع عواقب مهمة على التجارة الدولية، من جنوب القوقاز إلى كل جنوب غرب آسيا – وحتى جنوب شرق آسيا، حيث هناك بالفعل في فيتنام وسنغافورة مناطق تجارة حرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
الخطاب الأمريكي حول “عزلة” إيران لا يخدع أحداً في الشرق الأوسط، كما يتضح من تطور التفاعل مع الصين وروسيا. أضف إلى ذلك قراءة موسكو لـ “الميل إلى تعميق الحوار وتطوير الاتصالات في المجال الدفاعي”.
هذا هو الفضاء الذي سيوجه فترة رئيسي: اتحاد أكثر صلابة للطيف الديني الإيراني، واشتراكية ذات خصائص صينية، وشراكة أوراسيا الكبرى. ولا ضرر من أن التكنولوجيا العسكرية الروسية المتقدمة تراقب بهدوء تطور رقعة الشطرنج.