المشروعات الصغيرة والمتوسطة في المسارات التنفيذية للمرسوم رقم 8
دمشق- بشير فرزان
يعتبر دعم وتطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتشجيع إقامتها وضمان ديمومتها من أهم دعائم عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك لما تلعبه هذه المنشآت من دور مهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي بشكل عام، والحد من تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة بشكل خاص.
وبالرغم من استمرار الحرب والحصار الاقتصادي الجائر، إلا أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة لاتزال تعمل بالرغم من كافة المعوقات الاقتصادية والتمويلية، وقد شكّل القانون رقم 8 لعام 2021، الخاص بتأسيس “مصارف التمويل الأصغر”، علامة فارقة وداعمة للخطوات التنفيذية المتسارعة في مسار المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تحفز المجتمع على العمل الإنتاجي، والإبداع، وإدارة المشروعات المولّدة للموارد المالية والمعيشية.
الناتج المحلي
شامل بدران الباحث الاقتصادي اعتبر، في دراسة رؤية تنموية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في إطار المرسوم التشريعي رقم 8 (لعام 2021) التي قام بها حول واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والصعوبات التي تواجهها، أن عدم معرفة مدى مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من أهم الإشكاليات في الاقتصاد السوري، وذلك نظراً لعدم توفر بيانات دقيقة عن حجم هذه المشروعات، وحجم نشاطها من جهة، وطريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي من جهة أخرى، بحيث تتم عملية التجميع على المستوى الوطني، حيث يتم، في ظل غياب البيانات والمعطيات، تقدير البيانات على المستوى القطاعي، ما يعطي صورة غير دقيقة عن حجم المساهمات الفعلية في الناتج المحلي الإجمالي.
اقتصاد الظل
وطرح بدران أيضاً إشكالية القطاع غير المنظم (اقتصاد الظل) التي تعتبر السمة الغالبة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في سورية، لاسيما المشروعات متناهية الصغر منها، العاملة في القطاع غير المنظم، حيث بلغت نسبة هذا القطاع قبل الأزمة حوالي 34%، لتتزايد خلال الأزمة لحدود مرتفعة جداً، ما يؤثر بشكل سلبي على عمل المشروعات، وعلى زيادة نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، ويقلّص فرص التوظيف، وفرص التدريب والتمويل، ومن الصعوبات أيضاً عدم القدرة على التمويل، وعدم القدرة على تأمين الضمانات التقليدية الكافية للبنوك.
التمويل الأصغر
وبيّن بدران أهمية ومزايا المرسوم التشريعي رقم 8 (إحداث مصارف التمويل الأصغر)، لجهة أنه يهدف إلى “تحقيق الاستفادة المالية لأكبر شريحة ممكنة من صغار المنتجين وأصحاب الأعمال الصغيرة ممن يستطيعون ممارسة عمل اقتصادي، لكنهم غير قادرين على تأمين التمويل اللازم له.
وقدم بدران رؤية عملية لنجاح تطبيق القانون الجديد من خلال إصدار تعليماته التنفيذية خلال فترة قصيرة، ودعا إلى أن تكون هذه التعليمات واضحة بنصوصها القانونية والإدارية، وتراعي الخصوصية المحلية، مع ضرورة انسجامها مع التجارب الإقليمية والدولية، وأن تراعي الأنظمة والقوانين في الدول المتوقع دخول أفرادها ومؤسساتها للاقتصاد السوري.
وتمنى بدران دراسة تقديم تسهيلات مختلفة، وعدم الاقتصار على المزايا الضريبية كالمساعدة في تخصيص جزء من رأس المال الثابت: (أراض، مبان، تجهيزات، بنية تحتية..)، إضافة إلى دراسة تقديم مزايا لاحقة، أثناء تطبيق التجربة، للمصارف الناجحة في تقديم القروض ذات العائد الاقتصادي الأفضل، وبما يتلاءم مع المناطق التي يتم تنفيذ المشروعات فيها.
فريق متابعة
ومن المقترحات التي قدمها بدران استحداث فريق متابعة في البنك المركزي تناط به مهام الإشراف الكامل على جدية نجاح التجربة، وتأمين الحصول على التمويل، وعدم الاقتصار على الوصول إلى مصادر التمويل، وتقديم الدعم التقني الكامل للمؤسسات المالية المستحدثة، والدعم القانوني والإداري والفني، وتحليل كافة البيانات والمعطيات لتصويب مسار التجربة، إلى جانب ربط المؤسسات بشبكة موحدة لتأمين سهولة الإشراف عليها، وتوحيد المعايير، والاستجابة للمتغيرات الطارئة.
الفئات المستهدفة
وركز بدران على تحديد الفئات المستهدفة بدقة عالية وفق آليات وتطبيقات برمجية حديثة: (الأسر المستهدفة، المنشآت المستهدفة، الأفكار والمشروعات التي يتطلب تنفيذها لاحقاً)، وذلك من خلال بناء قاعدة معلومات متطورة وموثوقة.
وحدد نقطة البداية من بيانات المسوح الأسرية: (المسح الديمغرافي المتكامل 2017، مسوح الأمن الغذائي 2017، و2020، تعداد المنشآت 2019 و2020)، والبيانات الإدارية المتوفرة لدى الوزارات: (الزراعة، الصناعة، التجارة الداخلية، الشؤون الاجتماعية)، والبيانات المتوفرة على مستوى أصغر وحدة إدارية لدى وزارة الإدارة المحلية والمحافظات، والبيانات المتوفرة لدى المجتمع الأهلي: (الجمعيات والمؤسسات الأهلية المحلية).
ويؤكد بدران أنه كخطوة لاحقة لابد من إنشاء آليات جديدة لمعرفة المستهدفين من خلال إنشاء تطبيقات برمجية سهلة التعامل لإضافتهم لقاعدة البيانات الأساسية، والتحقق من البيانات والمعطيات من خلال فرق عمل ميدانية.
غير تقليدية
وفيما يخص بناء شبكة مصرفية حديثة تعتمد آليات غير تقليدية للوصول إلى المقترضين، أكد أن ذلك يتطلب تحديد خارطة دقيقة نوعاً ما للمستهدفين، ثم منح التراخيص وفق تلك المعطيات من حيث عدد المستهدفين، وخارطة التوزع الجغرافي، والاعتماد على طرق فنية حديثة ومتطورة لتقييم المشروعات المستهدفة، وتسهيل عملية التسجيل للمشروعات من خلال وضع برمجيات سهلة لملء البيانات الأساسية المطلوبة، بحيث يتم تقييم المشروعات من قبل فريق متخصص، وإعطاء نتائج التقييم للمشروعات الناجحة، ومنح القروض بسرعة خلال مدة لا تتجاوز الشهر، إلى جانب تدريب كادر فني لتقييم المشروعات معتمد من قبل المصارف ونقابة المهن المالية والمحاسبية.
أسس التتبع
وأشار بدران إلى أهمية وضع أسس لعملية تتبع تنفيذ عملية الإقراض للاستفادة من الثغرات السابقة في هذا المجال، لجهة تعثر المقترضين، وفشل الهدف من الإقراض، بحيث يتم وضع خطة متكاملة لمتابعة المشروعات المقترضة، منذ بداية التأسيس حتى مرحلة الإنتاج والتسويق، وذلك بإشراف كوادر اقتصادية متخصصة في كل مجال من مجالات الإنتاج والتسويق، وتقديم المشورة الاقتصادية لتخطي العثرات، لاسيما في مرحلة التأسيس.
توجيه الإقراض
ولفت بدران إلى ضرورة توجيه الإقراض باتجاه القطاع الزراعي والتصنيع الزراعي نظراً لاعتماد الحكومة حالياً على القطاع الزراعي كحامل أساسي لتجنيب البلد وطأة الحصار الجائر، وكداعم للأسر الأشد احتياجاً، وأشار إلى أنه بالرغم من أهمية تلك الاستراتيجية حالياً، إلا أن تعزيزها يتطلب استراتيجية تصنيع زراعية، لأن الصناعة تقدم قيماً مضافة أعلى، ويمكن الاستفادة من تكنولوجيا الإنتاج المتقدم، وكل ذلك- برأي بدران- يقتضي توجيه “مؤسسات التمويل الأصغر” لتعبئة الموارد وفق مصلحة الاقتصاد الوطني، خصوصاً في المرحلة الحالية، مرحلة سورية ما بعد الحرب.
التضخم الاقتصادي
وطرح بدران موضوع التضخم الاقتصادي الذي بات مشكلة اقتصادية حقيقية لها تأثير سلبي على كل محاولات التنمية في سورية، فبعد أن كان التضخم الاقتصادي نتيجة لمجموعة كبيرة ومتشابكة من الأوضاع الاقتصادية والسياسات الاقتصادية، بات في الوقت الراهن سبباً في التأثير على السياسات الاقتصادية، ما يتطلب عملياً اتخاذ إجراءات متكاملة تستهدف بناء قطاع إنتاجي حقيقي تكون فيه لمؤسسات التمويل الأصغر مساهمة فاعلة في نجاح تلك السياسات.