اقتصادصحيفة البعث

العملات الرقمية الحكومية.. هل تقيد سوق المال؟

الهدف الأساسي من العملات الرقمية الحكومية هو السماح للأشخاص بإيداع الأموال مباشرة في بنك مركزي، ويبدو أن التغير التكنولوجي سيقلب موازين عالم التمويل؛ فلقد تحولت عملة البتكوين من كونها هوسا للفوضويين إلى فئة أصول بقيمة تريليون دولار، ويصر العديد من مديري الصناديق على أنها تنتمي إلى أي محفظة متوازنة. ولكن مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية ترى أن الاضطراب الأقل ملاحظة بين التكنولوجيا والتمويل قد يكون الأكثر ثورية، وهو إنشاء عملات رقمية حكومية هدفها الأساسي السماح للأشخاص بإيداع الأموال مباشرة في بنك مركزي، متجاوزة بذلك المقرضين التقليديين.

وذكرت المجلة أن العملات الرقمية الحكومية -التي تعرف باسم “غوفكوينز” – تمثل تجسيدا جديدا للمال؛ فهي تعِد بجعل التمويل يعمل بشكل أفضل، ولكنها تعِد أيضا بتحويل السلطة من الأفراد إلى الدولة، وتغيير الجغرافيا السياسية وكيفية تخصيص رأس المال.

فقبل عقد من الزمان أو نحو ذلك، وسط إفلاس بنك ليمان براذرز، تذمّر الرئيس السابق لبنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي بول فولكر من أن آخر ابتكار مفيد للبنوك كان جهاز الصراف الآلي، ومنذ الأزمة حسّنت الصناعة من مستواها، وقامت البنوك بتحديث أنظمتها المتعثرة، وقام رواد الأعمال ببناء عالم تجريبي من “التمويل اللامركزي”، الذي يعتبر البتكوين الجزء الأكثر شهرة فيه، والذي يحتوي على العديد من الرموز وقواعد البيانات والقنوات التي تتفاعل بدرجات متفاوتة مع التمويل التقليدي.

في الوقت نفسه، أصبح لدى شركات “المنصات” المالية الآن أكثر من 3 مليارات عميل يستخدمون المحافظ الإلكترونية وتطبيقات الدفع.

وإلى جانب “باي بال”، يوجد متخصصون آخرون مثل مجموعة “آنت غروب” و”غراب”  و”ميركادو باغو” والشركات الراسخة مثل “فيزا”.

وتمثل العملات الرقمية الحكومية أو التابعة للبنك المركزي الخطوة التالية ولكنها تأتي مصحوبة بمشكلة، وهي أنها ستعمل على تركيز السلطة في يد الدولة بدل نشرها عبر الشبكات أو منحها للاحتكارات الخاصة، والفكرة من وراء هذا الأمر بسيطة: بدل الاحتفاظ بحساب لدى بنك تجزئة، يمكنك القيام بذلك مباشرة مع بنك مركزي من خلال واجهة تشبه تطبيقات مثل “أليباي”  أو “فينمو” ، وبدل كتابة الشيكات أو الدفع عبر الإنترنت باستخدام بطاقة يمكنك استخدام أدوات البنك المركزي.

قد يبدو تحول البنوك المركزية من أرستقراطيي التمويل إلى عمالها بعيد المنال، لكنه قيد التحقق، وتستكشف أكثر من 50 سلطة نقدية التي تمثل الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي العملات الرقمية.

من جهتها، أصدرت جزر البهاما عملات رقمية، وطرحت الصين برنامجها التجريبي لليوان الإلكتروني لأكثر من 500 ألف شخص، ويريد الاتحاد الأوروبي إنشاء يورو افتراضي بحلول عام 2025، في حين أطلقت بريطانيا فريق عمل على مشروع مماثل، كما أن الولايات المتحدة -القوة المالية المهيمنة في العالم- بصدد إنشاء دولار إلكتروني افتراضي.ومن بين دوافع الحكومات والبنوك المركزية الخوف من فقدان السيطرة، وتسخر البنوك المركزية اليوم النظام المصرفي لتضخيم السياسة النقدية، إذا انتقلت المدفوعات والودائع والقروض من البنوك إلى العوالم الرقمية التي يديرها القطاع الخاص، وستكافح البنوك المركزية لإدارة الدورة الاقتصادية وضخ الأموال بالنظام في وقت الأزمة.

ويمكن أن تصبح الشبكات الخاصة غير الخاضعة للإشراف فضاء للاحتيال وانتهاكات الخصوصية.

أما الدافع الآخر هو التطلع إلى إرساء نظام مالي أفضل، من الناحية المثالية، ويمكن أن تخفض العملات الحكومية نفقات تشغيل الصناعة المالية العالمية، التي تصل إلى أكثر من 350 دولارا سنويا لكل شخص على وجه الأرض؛ وتجعل التمويل متاحا لقرابة 1.7 مليار شخص يفتقرون إلى الحسابات المصرفية، ويمكن للعملات الرقمية الحكومية أيضا توسيع مجموعات أدوات الحكومات من خلال السماح لها بإجراء مدفوعات فورية للمواطنين وخفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر.

وبمجرد صعودها، من الممكن أن تخضع العملات الرقمية الحكومية لمراقبة الدولة للسيطرة على المواطنين، واستخدامها في فرض العقوبات، مثل الغرامات الإلكترونية الفورية للسلوك السيئ، ويمكنها أيضا تغيير الجغرافيا السياسية من خلال توفير قناة للمدفوعات عبر الحدود وبدائل الدولار؛ العملة الاحتياطية في العالم وركيزة النفوذ الأميركي .

في الواقع، إن العملات الرقمية الحكومية هي التجربة المهمة التالية في مجال التمويل، وتعِد بأن تكون ذات أهمية أكبر بكثير من أجهزة الصراف الآلي المتواضعة.

(وكالات)