الفلسفة في الأمل
الأمل موجود دوماً في صفحات التاريخ، إذ استخدم الإغريق كلمة “elpis” التي ظهرت أول مرة في أشعار هزيود، ففي الأعمال والأيام، عام 700 قبل الميلاد، كتب هذا الشاعر الإغريقي الملحمي عن باندورا “صاحبة الصندوق سيئ السمعة”: “علق الأمل داخل صندوقها العصي عن الكسر”.
واعتمد أرسطو، بعد حوالي أربعمئة عام، التحليل بصورة أكبر، فقد قال العبقري المقدوني في كتابه “علم الأخلاق إلى نيقوماخوس”: “أما الجبان فهو شخص يؤوس لأنه يخاف كل شيء، وأما الشجاع فهو شخص مفعم بالأمل”، لكن الإغريق كانوا يميلون في غالب الأحيان إلى أن يكونوا سلبيين إلى حد ما، ومرت أيام على فلاسفتهم كانوا فيها بائسين، وأفلاطون أحدهم بالتأكيد، فقد كتب في كتاب “محاورة طيماوس” يزدري الآلهة بوصفهم “مرشدين طائشين” يغرسون في نفوسنا “الخوف” و”الإيمان الساذج بوجود الأمل”.
واتخذ نيتشه الذي شُرّب الكلاسيكيات وأصبح برتبة أستاذ متفرّغ في الثقافة الإغريقية قبل تقديمه رسالة الدكتوراه، وجهة نظر كئيبة مشابهة، فقد قال في أحد أوائل كتبه “إنسان مفرط في إنسانيته”: “أراد زيوس بطبيعة الحال أن يجعل الإنسان يتعذب أكثر بتلك الشرور الأخرى، ولا يرفض الحياة مع ذلك، بل يظل يقاسي بصفة مستمرة من آلام متجددة دوماً، ولذاك الغرض منحه الأمل، وهو في الحقيقة أسوأ الشرور أبداً، لأنه يطيل عذاب البشر”، ولم يغيّر نيتشه نظرته مع أنه أصبح أكثر شاعرية، إذ كتب في كتابه “العلم المرح”: “الأمل وهم كقوس قزح تشكّل فوق شلال الحياة، وابتلعه رذاذ مائه مئات المرات”.
أما الفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا فقد شخّص الأمر بصورة أعمق، وكتب في كتابه “علم الأخلاق”: “لا يعدو الأمل أن يكون فرحاً متقلّباً يتولّد من صورة شيء مستقبلي أو ماض نشك في عاقبته”.
لكن فلاسفة آخرين كانوا أكثر تفاؤلاً، إذ كتب الفيلسوف الدنماركي سورين كيركغارد في كتاب “أعمال الحب”: “الأمل هو أن تتظاهر بأنك تتوقّع خيراً، والخوف هو أن تتظاهر بأنك تتوقّع شراً”، بالطبع، كان هذا الفيلسوف الوجودي مفعماً بالأمل في جوهره لأنه كان مسيحياً نشأ على قراءة الإنجيل والإيمان بتعاليمه، لاسيما كلمات القديس بولس في “رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية” التي قال فيها: “لأننا بالرجاء خلُصنا”.
ربما لايزال الكثير من الفلاسفة الماركسيين يحلمون حلماً طوباوياً بعالم أصلح، والفيلسوف الألماني فالتر بنيامين هو أحد أبلغ كتّابهم عن هذا الموضوع، إذ كتب في منتصف العشرينيات: “ما وجد الأمل لولا وجود القنوطين”.
قد لا يتفق المرء مع كل أو بعض هذه الاقتباسات، ولربما يكون العالم أصلح إن انتصحنا بنصيحة الفيلسوف الألماني ارنست بلوخ التي خطّها في كتابه “مبدأ الأمل”، وهي نصيحة تهدف ببساطة إلى: “ما يهمنا حقاً هو أن نتعلّم الطريقة الصحيحة للأمل”.
ترجمة: علاء العطار