المكتبة الخاصة إلى أين؟
لطالما كانت مكتبتنا العربية تذخر بنفائس الكتب التي تتناول كافة المجالات الفكرية والعلمية والأدبية، وما يندرج تحتها من تصنيفات أخرى لا حصر لها، وكم كان الجميع يتسابقون لاقتناء ما يستطيعون اقتناءه منها، حتى لو كان ذلك على حساب مصاريف أخرى تخصّ معيشتهم اليومية، وكانت المكتبة الخاصة فيما مضى جزءاً لا يتجزأ من معظم البيوت وتتربع في صدر أماكن الاستقبال بها لتظهر أمام الضيوف، وهي دليل على رقي أصحابها ومكانتهم الثقافية والاجتماعية.
لكننا في الآونة الأخيرة بدأنا نلاحظ ندرتها، حيث إنها لم تعد موجودة إلا في مكاتب وبيوت بعض المختصّين ممن تضطرهم الحاجة لها لاستخدام محتوياتها من الكتب كمراجع لهم في أبحاثهم ودراساتهم أو في بيوت من لا زالوا يؤمنون بالقيمة الحقيقية للكتب المطبوعة ولديهم القدرة المادية على اقتنائها من الرعيل القديم.
إن لتراجع دور المكتبات والكتب المطبوعة العديد من الأسباب كارتفاع تكاليف الطباعة التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير، ما جعلها بعيدة عن القدرة الشرائية لمعظم الناس، وضيق مساحة دور السكن الذي جعل من الصعب توفير المكان المناسب لها، وانتشار الكتب الرقمية وسهولة الوصول إليها والذي وفر الجهد والوقت والمال على الجميع، إضافة لتوفر كل الكتب فيها دون استثناء وعلى وجه الخصوص تلك التي تقوم بعض الدول بمنعها لأسبابها الخاصة بها، ويعتبر السبب الأخير من أهم الأسباب.
ورغم كل إيجابيات المكتبات الرقمية التي تمّت الإشارة إليها، فإن عدم وجود جهات رسمية مختصة دولية كانت أو محلية تقوم على تدقيق محتوى ما يتمّ إضافته لها من كتب وتكون مسؤولة كذلك عن محتواها يفقدها الدقة والمصداقية فلا يعود بإمكاننا الاعتماد عليها كمراجع دقيقة يمكن الركون إليها بشكل تام ونهائي.
ولأجل هذا وغيره نرى أن الدول مهما بلغت من التقدم والتطور العلمي والتكنولوجي لا زالت مهتمة بالكتب الورقية وبمكتباتها الوطنية الخاصة بها كدول أو المتاحة للعامة مهما بلغت تكاليف إنشائها وإدارتها وتفاخر بها أمام الآخرين.
إن بقاء وجود دور النشر والمطابع الحكومية والخاصة واستمرارها بإصدار الكتب والمطبوعات الورقية على اختلاف أنواعها، إضافة لإقامة المعارض لها على المستوى المحلي والدولي رغم كل الصعوبات المادية التي تعترضها والمنافسة الشديدة لها من قبل المنشورات الرقمية هو مؤشر إيجابي، إن دلّ على شيء فهو يدلّ على أنه لا يمكن للجنس البشري الاستغناء عن الورق نهائياً في المدى المنظور على أقل تقدير.
سنبقى على أمل عودة انتشار الكتب الورقية والمكتبات الخاصة على نطاق واسع بين الجميع وستبقى بمحتوياتها شاهداً على العصر كما كانت المخطوطات والرسومات من قبلها بكل تأكيد.
أمين إسماعيل حربا