على قدم عرجاء.. التدخل الإيجابي يترنح على أعتاب مؤسسة مكبّلة بالقيود!
دمشق – ريم ربيع
بين النجاح تارة والإخفاق تارة أخرى، ما يزال التدخل الإيجابي عبر “السورية للتجارة” محكوماً ومتأثراً بالظروف لا مؤثراً فيها، فعند كل متغيّر جديد نجد المؤسّسة المعنية بـ”الحفاظ على توازن السوق” تتخبّط بإجراءات، إما لم تجرؤ على اتخاذها أو اتخذتها بالفعل غير أنها لم توفق بمتابعتها، والأمثلة على ذلك كثيرة بدءاً من الخلل الواضح في صالات البيع، سواء لجهة توافر السلع أو أسعارها المماثلة للسوق، وافتعال الأزمات والطوابير عند كل مناسبة، وصولاً للمواد المدعومة والتخبّط في توزيعها عند كل مرة، وكانت آخر المنجزات رفع سعر الكيلو غرام من مادتي السكر والرز إلى 1000 ليرة لكل منهما رضوخاً للصعوبات في تأمينها، وعجز المؤسسة عن أخذ دور فاعل في استيرادها.
في الاجتماع الأخير لرئيس الحكومة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ورد على لسانه أنه: “لا يمكن لمؤسّسات التدخل الإيجابي تلبية كامل احتياج السوق من المواد والسلع، وليس المطلوب منها القيام بذلك، بل المطلوب هو وضع المؤشرات الكمية والنوعية لإدارة واستقرار السوق، وبقائه ضمن الحدود العادلة لكل من المنتجين والموردين والمستهلكين وفق أفضل توازن ممكن على قاعدة التنافسية وكفاءة السوق”. فهل نجحت السورية للتجارة خلال أربع سنوات ونصف في تحقيق هذا، أم أن التّجار هم المتحكمون الفعليون بعملها؟.
دور متفاوت
يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد د. زكوان قريط أن تدخل السورية للتجارة كان خجولاً حيناً وقوياً أحياناً أخرى، فهي قانوناً تعدّ تاجراً في علاقتها مع الغير، ويحق لها دخول المناقصات والقيام بعمليات الاستيراد والتصدير، ومن هنا تكمن أهمية الدور الذي تلعبه من ناحية التدخل الإيجابي في السوق لكسر حلقات الوساطة والاحتكار والتلاعب بالأسعار، فكان لها دور فعّال وقويّ في توزيع المواد المقننة (سكر- رز) واستطاعت إلى حدّ ما النجاح في ذلك، لكنها أخفقت لجهة التدخل بمواد أخرى (زيت- شاي..) نتيجة غياب الخطط الدقيقة للحفاظ على مستويات كافية من المخازين لبعض المواد أو السلع، وكذلك فيما يتعلّق بتوزيع المنتجات الزراعية من خضار وفواكه، فلم تفلح بأن تكون التاجر الحقيقي على أرض الواقع!.
فيما يوضح مدير السورية للتجارة أحمد نجم أن المؤسسة تحاول أن تضبط السوق وتؤمن السلع بأسعار مخفضة لذوي الدخل المحدود، إلا أنها تصطدم بعوائق كثيرة، كالحاجة إلى التوسع الأفقي بشكل أكبر، فهي تملك اليوم 1550 صالة في مختلف المناطق وتعمل على زيادتها، كما أن هذه الصالات بحاجة لتخديم وعمال، حيث يبلغ النقص بعدد العمال 50%، فضلاً عن حاجتها لأسطول سيارات لنقل المواد الغذائية والمقنّنة.
بدائل غائبة
أبرز الانتقادات التي تواجهها المؤسسة هي رضوخها للتجار وأهوائهم في تأمين المواد ولاسيما الأساسية كالرز والسكر، وبالتالي يكون الاستيراد بشروط التجار وأسعارهم، غير أن نجم يؤكد أن المؤسّسة غير قادرة على الاستيراد بنفسها نتيجة الحصار والعقوبات الاقتصادية المطبقة عليها كما أية جهة حكومية والتي أثرت كثيراً على عملها، موضحاً أن استيراد السكر والرز يتمّ عبر مناقصات ولا أحد يحتكرهما.
بدوره لم ينكر قريط حجم التحديات والعقبات التي تقف عائقاً أمام تحقيق أهداف المؤسسة، وخاصة قانون قيصر والحصار الجائر على سورية، مما يصعب من تقييم أدائها بدقة، إلا أنه –برأيه- كان من الممكن البحث عن بدائل ووضع خطط والتفكير بمنطق التاجر الخاص، خاصة وأنها تملك الاستقلالية والصلاحيات الكافية لذلك، مستذكراً ما طرحه السيد الرئيس بشار الأسد خلال اجتماعه بالفريق المعنيّ بمواجهة كورونا في أيار 2020، حيث نوه بأن هناك الكثير من الإجراءات التي يمكن للحكومة القيام بها بما يؤثر إيجاباً في حياة المواطن وتأمين حاجياته، وأهمها إيجاد الحلول لفرق أسعار المحاصيل الزراعية المنتجة محلياً بين المزارع والمواطن لكسر الحلقات الوسيطة.
ويضيف قريط: يفترض أن تكون الدولة لاعباً رئيسياً في السوق، مما يؤدي إلى خفض الأسعار من خلال المؤسّسات الاقتصادية، وعلى رأسها السورية للتجارة التي يجب أن تلعب دور التاجر الأساسي لمصلحة المواطن عن طريق وضع خطط قصيرة الأمد وطويلة الأمد تتعلق بتأمين مخزون كافٍ من السلع الأساسية بهدف عدم انقطاعها (إدارة المخزون)، والتنسيق مع مختلف الجهات الأخرى لجهة تمويل استيراد أو تصدير السلع الضرورية وفق أولويات محدّدة، وعدم إهمال الجانب التسويقي لبعض المواد من حيث الدعاية والعروض وتسهيلات الدفع، والاهتمام بجودة المنتجات التي تقوم بتسويقها وتشديد الرقابة عليها، فضلاً عن التفكير بعقلية التاجر، خاصة وأنها تملك الإمكانيات ولكنها لم تستغلها جيداً (الانتشار الجغرافي- الموقع الاستراتيجي لمنافذ البيع- السعر التنافسي..).
خلل واضح
وبين صالات تبيع السلع بأسعار تساوي أو تزيد عن السوق، وصالات سرعان ما تخلو من البضائع بعيد عرضها، وأخرى يستثمرها القطاع الخاص ويتعامل معها كأنها “رزقة” يجني منها ما يشاء، يبدو واضحاً الخلل في عمل المؤسّسة وعجزها حتى عن ضبط صالاتها، ناهيك عن السوق بالكامل!، إلا أن لمدير المؤسسة رأياً آخر، إذ أصرّ أن المواد كلها لا تعرض في الصالات إن لم تكن بسعر أقل بـ15% على الأقل من الأسواق، معتبراً أن التدخل بالسكر والرز كان رادعاً للحدّ من ارتفاع سعرها أكثر في السوق، أما صعوبة التسعير فتكون غالباً في الفاكهة لأنها ليست متوفرة دائماً، فيما تعمل المؤسّسة حالياً على التدخل بالخضار واستجرارها مباشرة من الفلاح بأسعار تناسبه وتناسب المستهلك، حيث تمّ استجرار 830 طناً من الخضار والفاكهة لهذا الغرض.
وحول استثمار القطاع الخاص في الصالات، يؤكد نجم أن جهات حكومية عدة تعمل على معالجة هذا الأمر واستعادة كامل الصالات إلى المؤسسة، إلا أن لكل صالة وضعاً قانونياً مختلفاً، وكلما انتهى عقد صالة يتمّ استرجاعها فوراً، والعدد الباقي بسيط جداً، موضحاً أن الرقابة موجودة في كل الصالات حتى الخاصة منها وأي مدير يخالف يتمّ إعفاؤه.
للمحظوظين فقط!
وفيما نجحت المؤسّسة بتأمين اللحوم الحمراء في بعض صالاتها بأسعار تقلّ عن السوق بـ7-8 آلاف ليرة، غير أن ندرة المادة أفقدت هذا النجاح من مضمونه، فاللحوم الحمراء والفروج تعتبر اليوم “عملة نادرة” في صالات المؤسسة، ولا يحصل عليها إلا “المحظوظون!” فسرعان ما تنفد الكميات المطروحة منها، وهو ما يبرره نجم بقلة عدد الصالات مقابل آلاف المنافذ للقطاع الخاص لذلك يكون الطلب كبيراً جداً، موضحاً أنه يتمّ تجهيز مسلخ جوبر لافتتاحه خلال فترة قريبة بحيث يصبح التدخل بشكل أكبر، فيما بدا من خلال حديثه عتب على مربي الفروج والمسؤولين عن القطاع لعدم التنسيق مع المؤسّسة رغم استعدادها للشراء منهم عند انخفاض السعر للتدخل عند أي ارتفاع.
ويلفتُ نجم إلى أن المؤسّسة تستعد لتطبيق الدفع الإلكتروني في صالاتها، حيث تقدمت جهات عدة بعروض يتمّ العمل على اختيار أفضلها لاستكماله، علماً أن الصالات مجهزة للتطبيق، مع الإشارة إلى أن مشروع الأتمتة الذي انطلق في تشرين الثاني من العام الماضي أصبح الآن بمراحله الأخيرة.