معتمدو الأحياء في حلب يتاجرون بالخبز ويتحايلون على البطاقة الالكترونية
“البعث الأسبوعية” ــ معن الغادري
بالرغم من كل القرارات والتعاميم الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والتي تؤكد على ضرورة تحسين نوعية وجودة الرغيف وعدم الاتجار بمادة الخبز، ما زالت هذه القضية تتصدر قائمة المشكلات اليومية والحياتية المزمنة، وترهق كاهل المواطن وتستهلك الكثير من وقته وجهده للحصول على مخصصاته اليومية، بالرغم من امتلاكه للبطاقة الالكترونية التي يفترض بها أن تنظم آلية التوزيع وتمنع الهدر والاتجار بمادة الطحين والخبز على السواء .
واقع فوضوي
واقع حال الأفران في حلب يزداد سوءاً وفوضوية وازدحاماً لأسباب مفتعلة.. وهي واضحة للعيان، إلا أنها بعيدة عن مرأى المعنيين ومديرية “حماية المستهلك” تحديداً، والتي تكتفي بتنظيم الضبوط التموينية دون أن يشكل ذلك أي فارق أو يسجل أي تقدم، سواء بما يتعلق بصناعة الرغيف وجودته أو بما يتعلق بالأساليب المبتكرة لأصحاب الأفران وقدرتهم الفائقة على التحايل واستثمار البطاقة الالكترونية في غير غرضها الحقيقي، والاستمرار بتهريب الدقيق والخبز وبيعه كعلف للدواب، ناهيك عن الاتجار بالمادة عن طريق التعامل مع مجموعات متخصصة تقوم ببيع الخبز في السوق السوداء بأسعار تصل إلى 800 ليرة للربطة الواحدة .
أزمة متجددة
“هي أزمة قديمة جديدة”، كما يقول أحد المنتظرين على أبواب فرن الرازي “لأكثر من ساعتين”، وقد “فشلت كل المحاولات حتى اللحظة في حل لغزها الذي ما زال محيراً لتداخلاته وتعقيداته”. ويضيف: نرى يومياً تجار الخبز يجمعون عشرات البطاقات الالكترونية ويحصلون على الخبز بسهولة من الفرن فيما ننتظر نحن لساعات حتى يأتي دورنا .
مواطن آخر قال: ينتشر عشرات الأطفال والكبار والنساء على طرفي الشارع المحاذي للفرن، وفي مختلف مناطق وأحياء حلب، ويحملون ربطات الخبز لبيعها بأسعار مضاعفة وخيالية، ويتساءل باستغراب شديد: كيف نجد الخبز بوفرة مع هذه المجموعات في السوق السوداء، ولا نستطيع الحصول عليه من الأفران؟!
ويؤكد مواطنون آخرون تحدثنا معهم أنهم يمضون ساعات طويلة على أبواب الأفران، ويلقون أسوأ معاملة من البائعين ومن أصحاب الأفران، عدا عن التلاعب بوزن ربطة الخبز وبصناعة الرغيف التي لا تخضع لأدنى معايير الجودة .
ويطالب المواطنون أن تشدد دوريات “حماية المستهلك” رقابتها على الأفران وتنفيذ قرارات الوزارة، خاصة بما يتعلق بجودة صناعة الرغيف والتقيد بالوزن ومنع تداول قوت المواطن اليومي في السوق السوداء .
دود الخل منه وفيه
ينطبق هذا المثل تماماً على معتمدي الأحياء ومراكز البيع المباشر الذين يحجبون مادة الخبز عن المواطنين، ويقومون بجمع كميات كبيرة من البطاقات الالكترونية وبيع المخصصات اليومية التي يحصلون عليها إلى التجار، والذين يقومون بدورهم ببيعها كعلف لتجار المواشي، وهو أحد الأسباب وراء تفاقم أزمة الخبز وازدياد الازدحام على أبواب الأفران.
وهذا ما تؤكده الشكاوى التي ترد يومياً من قبل المواطنين، وتعززها المشاهدات اليومية لآلية التوزيع المتراجعة في الأحياء، والمحاولات الخجولة لحماية المستهلك في ضبط هذه الظاهرة من خلال ملاحقة المتاجرين ومتابعة عملية البيع المباشر في الأحياء، وتنظيم عدد من الضبوط وسحب التراخيص من بعض المعتمدين المرتكبين .
تأكيد مسؤول
مدير فرع الشركة العامة للمخابز بحلب، جهاد السمان، عزا أسباب الازدحام المتزايد على الأفران، خلال الأيام القليلة الماضية، إلى تلاعب بعض معتمدي الأحياء وبيعهم الكميات المخصصة لهم إلى أشخاص محددين يقومون بجمع البطاقات الالكترونية بهدف المتاجرة بالمادة، نافياً بشكل قاطع أن يكون هناك أي نقص في مادة الطحين، مؤكداً أن الأفران تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية في المدينة والريف، ولا يوجد أزمة كما يحاول البعض أن يروج لذلك .
وأوضح السمان أن المتاجرين بمادة الخبز يقومون بجمع كميات كبيرة منه بالتعاون مع المعتمدين لبيعها كمادة للعلف، وبسعر تجاوز 600 ليرة للكيلو الواحد بعد يباسه، وهو أمر غير مقبول، ومن الواجب على الجهات الرقابية والمعنية المبادرة فوراً إلى اتخاذ إجراءات صارمة بحق كل من يحاول افتعال الأزمات وتجاوز القوانين والمتاجرة بقوت المواطن .
اعتراف مسؤول
مدير “التجارة الداخلية وحماية المستهلك”، المهندس أحمد سنكري، اعترف بوجود خلل كبير في هذا الملف، مشيراً إلى أن الموضوع متابع بشكل يومي من خلال لجنة برئاسة عضو من مجلس المدينة، وتضم مراقبين من “حماية المستهلك”، وأعضاء الأحياء، مهمتها مراقبة بيع الخبز عن طريق المعتمدين، مؤكداً أنه تم ضبط عدد من المخالفات وتنظيم الضبوط اللازمة وسحب رخصة البيع من المعتمدين .
وأشار سنكري إلى أن هذه الظاهرة في طريقها إلى الانحسار، واصفاً الوضع حالياً بالجيد، وغداً سيكون الوضع أفضل .
وبما يخص بيع الخبز عن طريق الأفراد في السوق السوداء، في الشوارع وبجانب الأفران، بين سنكري أنه يتم التعاون مع عناصر الشرطة لقمع هذه الظاهرة؛ ويتزامن ذلك مع مراقبة مشددة لعمل الأفران وتحديد المسؤولين عن تهريب مادة الخبز لمحاسبتهم وفق القوانين النافذة، مبيناً أن حماية المستهلك تواصل عملها ورقابتها بشكل يومي، وخلال الفترة الماضية تم تنظيم عشرات الضبوط التموينية بحق الأفران لأسباب تتعلق بسوء صناعة الرغيف ونقص الوزن .
ليس آخراً
بعيداً عن قضية التزاحم اليومي على أبواب الأفران وصعوبة الحصول على ربطة الخبز، تبقى قضية تدني جودة الرغيف، والتلاعب بالوزن وبيع الخبز على الأرصفة، وعلى مقربة من المخابز، بأسعار مضاعفة، وسرقة جزء كبير من مخصصات الأفران من مادة الدقيق المدعوم وتهريبه، ودخول عنصر جديد في المعادلة يتمثل بالاتجار بالمادة من قبل المعتمدين، وبيع الخبز كعلف للمواشي، الأكثر خطورة وتأثيراً في المشهد العام المثقل بالمتاعب والمشكلات اليومية والحياتية.. والسؤال الذي يفرض نفسه: أين مجلس المحافظة مما يجري؟ وهل سيقتصر دور مديرية “حماية المستهلك” والدوريات الرقابية على تنظيم الضبوط، وحسب؟ في وقت تتسع دوائر الاحتيال على القوانين من قبل ضعاف النفوس الذين يمعنون في استغلال واستثمار قوت المواطن، وعلى عينك يا تاجر!!