د. محمد البحيصي: التراث الفلسطيني يدحض الرواية الصهيونية
“التراث الشعبي الفلسطيني الذي يعدّ حصيلة آلاف السنين يؤكد على الرواية الفلسطينية ويدحض الواقع الملموس للرواية الصهيونية، التي أرادت أن تضلّل العالم والتاريخ والجغرافيا، وتضلّل النص المقدّس حول أحقية الشعب الفلسطيني العربي في هذه الأرض المقدسة”، بهذه المفردات استهلّ رئيس جمعية الصداقة الفلسطينية- الإيرانية د. محمد البحيصي حديثه عن التراث الشعبي الفلسطيني الذي حمله معه الشعب المقاوم في قلبه في الفعالية التي أقامتها جمعية الصداقة بعنوان “هوية وانتماء” بإدارة فضيل حلمي عبد الله بالتعاون مع مؤسسة سين للثقافة والنشر والإعلام. وقد جمعت بين الثقافة والفنون والتراث مبيّنة تقاطعات واضحة بين التراث الفلسطيني والسوري تثبت أن تاريخ الشعبين وطريقهما ونضالهما واحد، وأن فلسطين وسورية توءَمان لا ينفصلان.
الفعالية اتكأت على المعارض المصغرة في ندوتها الحوارية التي استلهمت أفكارها من وحي معرض التشكيل الفلسطيني والدمشقي ومعرض التراث، وفي الوقت ذاته هدفت إلى تعزيز التواصل بين دور النشر من خلال معرض الكتاب الذي حفل بكتب منوعة مثل “الملاك الحائر” ورواية “الرفيف” و”أحلام الأطفال” و”أكذوبة أرض إسرائيل” و”الاختراق” وغيرها بمشاركة دور عدة، منها دار فلستينا ودار أطلس ودار صفحات ودار سين. وفي نهاية الفعالية كرّم د. البحيصي المشاركين بتسليمهم شهادات تقدير.
قبة الأقصى
رموز ودلالات التشكيل الفلسطيني كانت حاضرة في معرض الفن التشكيلي لرابطة الفنانين التشكيليين الفلسطينيين في مخيم جرمانا بمشاركة رئيس الرابطة محمود عبد الله وعدد من المشاركين الشباب من المخيم الذين يتبنون القضية الفلسطينية في أعمالهم، فشغلت حمامة السلام وقبة الأقصى وغصن الزيتون والسمكة والمرأة فضاءات اللوحة بأساليب تعبيرية وبسطوح ملساء توحي بالبساطة، تحمل بين أطياف ألوانها القضية الفلسطينية الموجّهة إلى مختلف الشرائح، وأشار عبد الله الذي شارك بلوحة حفلت بالتكثيف والاختزال للنزوح والنكبة والشهداء والحلم بالعودة في حديثه لـ”البعث” إلى أن المدرسة التعبيرية حاضرة بقوة في التشكيل الفلسطيني، عبّرت عن التاريخ ومعاناة الشعب الفلسطيني، وتابع عن لوحته “التضامن”، وهي جزء من ثلاثية جدارية مكونة من ثلاثة أمتار وتتميز بتكنيك وطباعة وأجزاء تعجّ بالقراءات وتمثل حكاية شعب بنزوحه ولجوئه إلى بلاد الشتات، وتبقى المرأة في حالات الانتظار والمقاومة العنصر الأبرز فيها.
وعبّرت ميرفت محمود عن الانتماء الفلسطيني بالبعد الرمزي في اللوحة بعنوان “دائرة الشمس” مصدر الأمل بالعودة إلى القدس، والبيوت الموجودة بخط مستقيم لا نهاية له تعبيراً عن الثبات والجذور المتجذرة بالأرض، وكذلك بالبوابة حلم العبور إلى المسجد الأقصى.
سردية فن العجمي
ومن ملامح فلسطين إلى البيت الدمشقي وحارات دمشق القديمة وأزقتها وياسمينها بلوحات التشكيلية تغريد الشيباني، اشتغلتها بخلطة مواد فن العجمي الذي زيّن جدران المسجد الأموي وقصر العظم وبيوتات دمشق، وكان صورة عكس بزخارفه ومنمنماته وتعتيقه باللون الذهبي حضارتها العريقة، فأدخلت منمنمات العجمي وزخارفه إلى خطوط التشكيل بتجسيد المناظر الطبيعية والطبيعة الصامتة والتراث ومعالم بيوت دمشق، كما استخدمت عجينة الورق والسيراميك النافر في لوحة الجرة.
ولم تقتصر لوحاتها على دمشق فقط، إذ جسّدت محور المقاومة كاملاً بلوحة العودة التي تتضمن ملامح المدينة المقدسة بقبة الأقصى وغصن الزيتون وإدخال الكوفية الفلسطينية ولوحة فارسية معنونة بالحق، دمجت فيها رموز التصدي “الإنسان والخيل والرمح والطبيعة” وهيمن اللون الأخضر بالخلفية المؤطرة، وكما ذكرت، فإنها رمزت بالرمح إلى مختلف أنواع الأسلحة التي يكون القلم أكثرها وقعاً على الذات.
ثمة تقاطعات
ولفتت مقتنيات معرض التراث الشعبي الفلسطيني الذي أقامه البيت الوطني لإحياء التراث الفلسطيني الحاضرين، فتوسطت الربابة خيمة المضافة إضافة إلى الناي والمزهر والمهباج ومصبات القهوة والخناجر ومستلزمات المطبخ النحاسية، وزينت الأثواب الفلسطينية المطرزة باللون الأحمر البسط المزركشة.
الأمر المهمّ هو التقاطع الواضح بين التراثين الفلسطيني والسوري، فقد بيّن محمد علي فارس الملقب بالشيخ أبو علي الجابر رئيس البيت الوطني لإحياء التراث الفلسطيني، أن المقتنيات هي إضاءة على التراث الفلسطيني الذي كان يستخدمه الأجداد في حياتهم اليومية، وأن تقاطع التراث بين الشعبين السوري والفلسطيني يؤكد أنهما شعب واحد تربطهما علاقات متجذرة في كل المجالات، حتى أن تجار الشام كانوا يذهبون إلى أسواق فلسطين وبالعكس.
التنكر بالتقاليد والاستيطان
وبعد افتتاح المعارض أقيمت ندوة حوارية مع المشاركين اتخذ فيها التعريف بالتراث الشعبي المحور الأساسي، إذ قدمت الباحثة د. نجلاء الخضراء لمحة عن أهميته بالحفاظ على الهوية والجذور كونه مظهراً من مظاهر ثقافة الشعوب، والفلسطيني هو الأجدر بالمحافظة على تراثه للوقوف في وجه محاولات التهويد وطمس الهوية التي يقوم بها الاحتلال الصهيوني، الذي يعمل على الاستيطان والتنكر بعادات وتقاليد الفلسطينيين التي تعدّ أحد جوانب الثقافة الفلسطينية، ثم توقفت عند نوعي التراث المادي المتمثل بالمباني والآثار واللامادي وهو كل ما تركه الأجداد من فنون وعادات وتقاليد وترانيم وفنون شعبية تنتقل من جيل إلى آخر. وتابعت عن دراسة المدن الفلسطينية والتراث المرتبط بكل مدينة على حدة، لتخلص إلى أن التراث الشعبي يستطيع الوقوف في وجه العدو الغاشم ويمثل فلسطين في المهرجانات الدولية.
كما ألقت الكاتبة ميسم الشمري كلمة دار سين، أشارت فيها إلى دور الكلمة بالمقاومة، وتعزيز دور الثقافة بتوطيد العلاقات بين دور النشر. وختم الفعالية الشاعر محمود حامد بقصيدة خصّ بها معركة سيف القدس.
ملده شويكاني