متلازمة داون.. أبطال رياضيون ونجوم “سوشال ميديا” محاصرون بالنظرة السلبية
يارة شاهين
تمكّن أطفال مصابون بمتلازمة داون، من التفوق على الأصحاء وتحقيق نجاحات كبيرة، بالرعاية والتأهيل، بينهم أبطال رياضيون وراقصون، ونجوم سوشال ميديا، في الوقت الذي لا تزال النظرة السلبية تحاصر أصحاب هذه المتلازمة وغيرهم من أصحاب الإعاقات الذهنية.
وعبّرت أم أليسار، الطفلة المصابة بمتلازمة داون، عن استغرابها من النظرة الاجتماعية لأصحاب متلازمة داون، والتسليم بإهمالهم بوصفهم غير قادرين على التعلّم والتطور، مبينة أن هذه الأوصاف تصدر عن أشخاص مثقفين أحياناً، ولا تختص بالجهلاء وحدهم.
وذكرت الأم أنها تعرّضت لموقف لا يزال يطفو في ذاكرتها منذ حوالي 18 عاماً، عندما أخبرها أحد الأطباء أن ابنتها مصابة بالمتلازمة، وأنها ستكون بلا نفع، وغير قادرة على الاندماج في المجتمع، من دون أن يضع حساباً واحداً لوقع تلك الكلمات عليها، أو يحاول تجميلها وتلطيفها. وأشارت الأم إلى أنها تمكّنت من تجاوز الصدمة، وعزمت على تغيير نظرة المجتمع لأصحاب متلازمة داون، فقرأت وتعلمت، وحققت لابنتها شروط تعلم جيدة للغاية، خصوصاً مع التدخل المبكر الذي ظهرت نتائجه الإيجابية بوضوح.
كما أشارت أم أليسار إلى أنها تعلمت تمارين النطق والعلاج الفيزيائي لتعليم ابنتها، التي اضطرت لترك مركز التأهيل الذي ترتاده بفعل الظروف المادية وارتفاع أسعار مراكز تأهيل المعوقين في حال كانت تقدم خدمات جيدة. وتابعت الأم، بأن ترك المدرسة أو دار التأهيل أثر سلباً على ابنتها، التي أصبحت أكثر عصبية في تلك الفترة، غير أنها تحسّنت فيما بعد، خصوصاً بعد انضمامها لمبادرة “مع متلازمة الحب”، لتستعيد الفتاة نشاطها مع أقرانها، من خلال نظريات تعديل بالغناء والرقص الرياضي.
وعلى الرغم من عتب أم أليسار على ترك الأطفال أصحاب الإعاقة من دون رعاية وتحت رحمة الظروف المادية، غير أنها أكدت على الأهالي بعدم اليأس، مبينة أن ابنتها كانت ملهمة لها، ودفعتها للتطوع في مراكز رعاية المعوقين، بعد خضوعها للعديد من الدورات وحصولها على التأهيل المطلوب، واليوم تعمل على تدريب ابنتها المعوقة لتكون بدورها مدرّبة في المركز.
وقالت الأم إن ابنتها اليوم شخص محبوب واجتماعي، ونجمة على موقع التواصل الاجتماعي اليوتيوب، والذي تبثّ عبره وصفات الحلويات التي تعدّها بنفسها، وتعرف متابعيها بالمقادير والكميات بدقة، وباتت ملهماً للعديد من الأسر المصدومين من وجود طفل متلازمة داون بينهم، حيث باتت الطفلة أليسار واحدة من المحفزين الإيجابيين على وسائل التواصل.
وبوصفها نجمة على السوشال ميديا، شاركت أليسار في العديد من الفعاليات مع المدربة رانيا مؤسّسة مبادرة “مع متلازمة الحب”، أهمها فعالية خبز وورد بخان أسعد باشا في دمشق بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وفعالية اقرأ وذلك بالمركز الثقافي في أبو رمانة، وقامت بزيارة الأطفال مرضى السرطان، كما شاركت في حملة توعية حول مرض كورونا والإجراءات الاحترازية الواجب اتباعها.
من جانبها، أشارت والدة عبد الرحمن الحلبي 25 عاماً (مصاب بمتلازمة داون)، إلى أنها تمالكت نفسها بعد معرفتها بحالة ابنها، والذي تتعامل معه منذ طفولته بطبيعية، ما أثر إيجاباً على أدائه، بالرغم من الاضطرار للتدخل أحياناً.
وأضافت الأم أن ابنها شارك في بعثة الأولمبياد الخاص السوري في دورة الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص في أبو ظبي وحقق فضية التقبين، وفضية السكوات، وفضية البنش وفضية العام بمجموع رفعات 340 كغ، ونالت وقتها سورية المرتبة الثانية عربياً.
وأكدت الأم أن أطفال متلازمة داون مبدعون، يحتاجون من يفهمهم، ويؤمّن لهم بيئة متوازنة لحياتهم أسوة بغيرهم من البشر، مشيرة إلى أن ابنها فرّغ طاقته في الرياضة، وهو ملتزم للغاية بها، وسعيد بتحقيق الإنجازات، ويعمل بخطة جيدة لتطوير قدرته البدنية بمساعد مدربيه، مبينة أن جميع تلك الإنجازات تمّت تحت مظلة ورعاية وزارة الشؤون الاجتماعية وليس لها علاقة بالوفرة المادية، بل بالاهتمام والاستعداد لبذل الجهد في سبيل تطوير الأطفال المصابين من قبل ذويهم في المقام الأول.
بدورها والدة عماد الحلاق (21 عاماً) الشاب المصاب بالشلل الدماغي، ولاعب القوى البدنية، الحاصل على العديد من الميداليات العالمية، إضافة لشغفه بالتكنولوجيا، طالبت الأهالي بعدم إهمال أولادهم، والبحث عن إشغالهم الإيجابي، متمنية تحسين أوضاع المعوقين، وتأمين مستلزماتهم بشكل أفضل من قبل الجهات المعنية ليزيد اطمئنان الأهالي على أولادهم المعوقين في غيابهم وموتهم. وقالت أم عماد إن ابنها، فضلاً عن نشاطه الرياضي، يتقن القراءة والكتابة والعمليات الحسابية، مشيرة إلى نيتها دمجه في إحدى أنشطة التدريب المهني الخاصة، خصوصاً أن سنه أصبح مناسباً لبدء العمل وتعلم الحصول على رزقه حتى لا يحتاج أحداً، وفقاً للأم.
عبادة (21 عاماً) لديه إعاقة ذهنية، يقول والده غسان بني المرجة: يعاني ولدي من عدم التركيز ويحتاج مرافقاً معه بشكل دائم، وفي الحقيقة بعد وفاة والدته تكفلت برعايته وتأمين احتياجاته. وأشار بني المرجة إلى أن عبادة عضو بفريق “مع متلازمة الحب” ولاقى سلوكه تغييراً واضحاً حيث تلاشى خجله، وأصبح اجتماعياً أكثر من خلال التمارين الرياضية.
وتابع الأب، أن ابنه شارك في العديد من الفعاليات بالمراكز الثقافية عارضاً مهارته في رقص الزومبا، وعروض الرقص الرياضي، التي حسّنت من نفسيته، وتجاوبه مع المجتمع، حيث أصبح أكثر نشاطاً وتفاعلية، وأشار بني المرجة إلى عدم تلقيه أي مساعدات من أي جمعيات أو اهتمام المجتمع الأهلي بشكل عام بابنه.
مع متلازمة الحب
من جانبها، اعتبرت رانيا شامية مؤسّسة فريق “مع متلازمة الحب”، أنه لابد من مواجهة نظرة المجتمع السلبية لأصحاب الإعاقة، من خلال عرض التجارب الناجحة، وإمكانية تطوير الأفراد المصابين، لدفع المجتمع للتعامل معهم ودعمهم.
وأشارت شامية، إلى أنها عملت على تدريب أصحاب متلازمة داون على الرقص الرياضي، باعتبارهم ميالين للحركة، ويستمتعون بالحب والتفاعل، ما أظهر مواهبهم بصورة خلاقة للغاية، غير أن ضعف الموارد المادية، وعدم الحصول على أي دعم من أي جهة، يعيق تطوير المشروع الذي سيصل للعالمية في حال تمّ تأمين مستلزماته. وبيّنت أن المشروع انطلق منذ حوالي ثلاث سنوات، ولا يوجد له مقر ثابت حتى اليوم لتدريب الفريق، بسبب الارتفاع المتوالي للإيجارات، والعجز الكامل عن التفكير بشراء أو امتلاك مقر، وعدم استجابة الجمعيات.
غير قابل للشفاء
بدورها، أوضحت الدكتورة تقى درويش، ماجستير بأمراض النساء والتوليد، أن متلازمة داون تعتبر الاضطراب الصبغي الأكثر شيوعاً، خصوصا أنها تشكل نسبة واحد من كل 700 ولادة عالمية، أي ما يقارب 6 آلاف طفل مصاب بمتلازمة داون سنوياً، مبينة أنه مرض يتعلق بالصبغيات الوراثية، ولا يوجد حتى اليوم أي حلّ أو طريقة لمعالجة أو قابلية للشفاء، مشيرة إلى وجود إمكانية للكشف عن متلازمة داون قبل الولادة، من خلال مجموعة من الاختبارات والتحاليل التي تعطي نتائج مؤكدة عن كل حالة في حال سلامتها أو إصابتها بالمتلازمة. وأكدت درويش على مجموعة من التوصيات لمتابعة مرضى داون بعمر الطفولة، وأهمها تقييم وظائف الغدة الدرقية، ايكو قلب لنفي التشوهات الخلقية فيه، مراقبة تعداد الكريات البيض بسبب الخوف من تطور لوكيميا (سرطان الدم)، تقييم السبيل الهضمي وتطور داء الزلاقي وتقييم سنوي للسمع والبصر.
وأكدت رئيسة دائرة الإعاقة بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فاتن مسعود وجود معاهد تُعنى بالأطفال من ذوي الإعاقة العقلية الذهنية، في غالبية المحافظات، ويتمّ تقديم خدمات تعليم وتأهيل خاصة لهم، ودعمهم بالأنشطة، ودمجهم في الفعاليات الاجتماعية والوطنية. وأضافت مسعود أن المعاهد تعلمهم مهارات يدوية بسيطة لتنمية حواسهم، واعتمادهم على ذاتهم، وذلك لمساعدتهم على التكيّف مع البيئة المحيطة بهم والمجتمع ككل.
ولفتت مسعود إلى أن الاحتكاك المباشر مع الأطفال ضمن الصفوف يتمّ مع أصحاب الاختصاص من الفئة الأولى مثل الحاصلين على إجازة بالتربية، إجازة في علم الاجتماع ومن الفئة الثانية (المعهد التقاني للخدمة الاجتماعية)، أما ما تبقى من أعمال إدارية فيقوم بها أفراد من كل الفئات. ونوّهت مسعود بأن المعاهد تقوم بالتعاون مع الجمعيات الأهلية المعنية بالإعاقة الذهنية ومتلازمة داون بفعاليات يتمّ من خلالها مشاركة أطفال الداون بفقرات فنية تتناسب مع قدراتهم العقلية والجسدية كنوع من دمجهم بالحياة الاجتماعية، وتسليط الضوء على إمكانية مشاركاتهم.
إبداع لا محدود
لعلّ الجهل المتأصل بالمجتمع تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة بحاجة لجهود فعلية لتغييره، ولنؤمن بقدراتهم ونفسح المجال لإبداعاتهم، ليكونوا أفراداً فاعلين مؤثرين مثلهم مثل من سبقهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر المذيعة العربية رحمة خالد، والممثلة الأمريكية لورين بوتر، ومضيفة الطيران هبة عاطف، وعارض الأزياء مصطفى نوفل.. وغيرهم الكثير.