وحش الغلاء..!
وائل علي
لم يسبق لمؤسّسات الرقابة التموينية ومؤسّساتها الرديفة عبر تاريخها الطويل أن بدت بهذا العجز والتردّد، وعدم القدرة على التدخل في ضبط حركة الأسواق والسلع وتقلبات الأسعار اليومية بل اللحظية وإثبات الحضور والوجود!.
ورغم جيش الموظفين الذين تمتلكهم، والخبرات والمعارف التي اكتسبوها، والإمكانات والوسائل والأدوات واللوجستيات اللازمة المتاحة بين أيديهم، ومعها قائمة طويلة من التشريعات والقوانين والأنظمة والمراسيم والتعليمات والقرارات التي تدعمها وتحميها وتشرعن تدخلها وإجراءاتها والصفات القانونية والزجرية التي تُمنح لها من خلال اعتبارها الضابطة العدلية، والتدخل تحت مظلة الأنظمة والقوانين، وآخرها المرسوم ٨ للعام ٢٠٢١، المسمّى “قانون حماية المستهلك”، إلا أن للواقع والحقيقة كلاماً آخر تماماً، فلا الأسواق ضبطت، ولا الأسعار تراجعت، ولا القدرة الشرائية تحسّنت، ولا مستودعات الاحتكار ضُربت وصودرت محتوياتها وأوقف أصحابها، حتى أن القلق الذي تسلّل إلى قلوب البعض سرعان ما تبدّد وتبخر!!.
وعلى عكس كل ذلك، فقد سار مؤشر حركة الأسواق والأسعار خلال الأيام القليلة الماضية بعكس ما تشتهي وترغب دفة الناس، فسجّلت الأسعار هبوباً مفاجئاً ومتسارعاً، وأخذ الخط البياني لها منحنى أفقياً وعمودياً صاعداً طال كل شيء مخلفاً وراءه كمّاً من الإحباط لا حدود له جعلت الكثيرين يفقدون الأمل وأن ما أفسده الدهر لن يصلحه العطار، متسائلين في سرّهم وعلنهم عن جدوى ومبرر وجود كل هذه المؤسّسات والإدارات التي تكبّد الخزينة أعباء ونفقات مالية كبيرة، ثم ما هو نفع كل تلك التشريعات وتفسيراتها التي لا تنتهي إذا كانت بلا جدوى وبلا طائل؟!.
ونذكر هنا أن تنشيط دور مؤسّسات التدخل الإيجابي بإعادة دورها كمستورد وتاجر لبضائعها وسلعها الأساسية على الأقل هو الوحيد القادر على كبح جماح الأسعار والتحكّم بها ولجم جنون الأسواق وطمع المستغلين والمحتكرين والمتاجرين بلقمة الناس، وبغير ذلك سنظلّ نشهد المزيد من الاضطرابات والتقلبات السعرية التي يصعب ضبطها والتحكّم بها بالتصريحات والبيانات واللقاءات الصحفية والتعويل على ثقافة الشكوى والوعي ودور غرف التجارة والصناعة وإطلاق الوعود والآمال التي ستكون -بتقديرنا- بلا طائل ولا جدوى وبلا معنى، ولن توصلنا لأسواق هادئة مستقرة بلا أنياب متوحشة.