الدبلوماسية الحياتية
غالية خوجة
تختلف أساليب المقول والمنطوق تبعاً لكل شخصية إنسانية على هذه الأرض، لكنّ جميع الشخصيات تتفق على أسلوب الكلمة الطيبة وكيفية توصيلها وإيصالها والغاية منها والهدف. والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يتمتع باللغة، ولكل لغة آدابها ولباقتها وأبعادها التهذيبية وكيفية تداولها الجمالي والفني كأسلوب حياة يومي، لكنها جميعها تتفق على الرقي في التعامل الإنساني بعيداً عن المهنة والجنس واللون واللسان.
وضمن هذه الرؤيا الحضارية تعلّمنا اللغة كيف نطور ملفوظنا وأساليبنا في التعامل مع أنفسنا والآخرين والمجتمع، وتجعلنا أشفّ وأقوى، وهذا بلا شك ناتج عن الخبرة الحياتية وأسلوب التعامل بذكاء ناضج تدعمه التربية المناسبة، والبيئة المحيطة الراقية، كما أنه ينتج عن اعتماد أسلوب تطوير الذات والشخصية لمن يريد أن يكون أفضل، ويتعامل بلباقة روحية واجتماعية وأخلاقية، فيبدأ من ذاته ثم ينشر هذا السلوك في محيطه ليصبح الجو الخاص والجو العام أكثر راحة وسعادة وإيجابية.
وهذه البروتوكولات الهامة وجدانياً وشعورياً تترك أثرها الإنساني لدى الذات والطرف الآخر لأنها ليست قشوراً ولا عوامل خارجية، فمثلاً، ما أجمل أن نقول لعامل النظافة، أو أي عامل آخر: شكراً؟ ما أجمل أن يقول أحد الزوجين للطرف الآخر: شكراً؟ ما أجمل أن يشكر الأبناء الآباء، والآباء الأبناء، وأن تعم هذه السلوكات بين الأصدقاء والزملاء والأهل والجيران والأقرباء.
ما أجمل أن نتعامل بهذا اللطف بين أفراد أسرتنا ومجتمعنا، مبدين اهتمامنا بالإنسان وتعبه وجهده ليكون عطاؤه أكبر، وليستمر في هذا العطاء ويطوره، وبلا شك، هذا يمنح طاقة إيجابية متناغمة وفاعلة تبثّ روحاً جديدة في الإنسان والمجتمع، لتصبح معاني الحياة أجمل.
وهذا البعد اليومي يضيف جماليات للحياة ويستبعد الانكسار واليأس والشعور بعدم جدوى الوجود، وهو ليس “ترفيهياً” لأنه محور حياتي أساسي، حتى لو اعتبره البعض “موضة” فهو موضة سلوكية تمنح سعادة معنوية، لا تشبه الموضة العادية التي تهتم بالجسد، وتحوله إلى عنصر للأزياء سواء ناسبت الموضة شخصيتك أو لم تناسبها.
ولتكتمل هذه الدبلوماسية الحياتية اليومية من الممكن القول إنها تحتاج لثقافة ذاتية وعلمية ومعرفية ونفسية وعلم نفس اجتماعي، لإجادة التخاطب والمحاورة مع الذات والآخرين، وبالطبع، مع المجتمع، ثم العالم.
وهذا ما تدركه الدول المعاصرة، وتعتمده كمحور أساسي في القوة الناعمة، ومنها الدبلوماسية الثقافية والفنية والإعلامية، وتضيف إليها سوريتنا الحبيبة الدبلوماسية الثقافية السياسية، ويمثّلها كنموذج متألق لا حصري د.بشار الجعفري، د.بثينة شعبان، الكاتبة كوليت خوري، الشاعر الدبلوماسي عمر أبو ريشة، الشاعر الدبلوماسي نزار قباني.
والملاحظ أننا في راهننا بحاجة لتفعيل الدبلوماسية الثقافية والفنية داخل وطننا الحبيب وخارجه، لا سيما في سفاراتنا وقنصلياتنا، وذلك من خلال الأدباء والمثقفين والفنانين وحضورهم ضمن ملاك هذه السفارات والقنصليات كملحق ثقافي مبدع وفاعل يشكّل خط الدفاع الأول خارجياً، ويشكّل خط الاستقطاب الأول لقضايا وطننا، مما يجعل هذا المجال حيوياً وفاعلاً ومناسباً في كافة التحولات الوطنية، ومجريات الأحداث الوطنية، ويضيء هذا البُعد الجانب العلمي والمعرفي والحضاري. لذلك، هذه الدبلوماسية ليست تشريفاً بل تكليفاً لا يقلّ أهمية عن دور الوطنيين داخل سورية، بل لا بد من تنظيمها وترتيبها واختيار الأكفاء من أجل الصالح الوطني، بحيث تتكامل جهود المسؤولين داخل وخارج وطننا الحبيب.
سبق وأن اقترحت أن أكون ضمن فريق سفارتنا وقنصليتنا في الإمارات كملحق ثقافي فاعل ومتفاعل، وأن يكون هناك من المثقفين والأدباء والفنانين من يمثلنا في سفاراتنا وقنصلياتنا حول العالم. ولعل هذه الفكرة الدبلوماسية الحضارية تنال اهتمام الجهات المعنية فيما إذا رأوها مناسبة، على أن تتناغم مع المصلحة الوطنية العليا ومسؤولياتها في كافة المراحل بين سلْم وحرب ورخاء، وأن تعتمد التوازن العادل بين الجنسين.