الأمن السيبراني إلى قائمة الأولويات القومية الاستراتيجية الروسية
تكمن إحدى أبرز نقاط الاختلاف بين استراتيجية الأمن القومي الجديدة للدولة الروسية وسابقتها في إعارة اهتمام أكبر بكثير للتحديات القائمة في مجال الإنترنت.
وتنصّ الاستراتيجية الجديدة، التي صادق عليها الرئيس فلاديمير بوتين اليوم السبت، على إضافة الأمن السيبراني إلى قائمة الأولويات القومية الاستراتيجية للدولة الروسية، وتضم قسماً مخصصاً للأمن المعلوماتي.
ويقضي المرسوم بدخول استراتيجية الأمن القومي الجديدة حيز التنفيذ فوراً، فيما أصبحت الاستراتيجية السابقة التي تم تبنيها بموجب أمر رئاسي صدر في 31 كانون الثاني 2015 لاغية.
واستراتيجية الأمن الوطني الروسي هي وثيقة تخطيطٍ استراتيجي أساسية، تحدد المصالح والأولويات الوطنية الاستراتيجية للبلاد، والأهداف والغايات والتدابير في مجال السياسة الداخلية والخارجية، التي تهدف إلى تعزيز الأمن القومي وضمان التنمية المستدامة لروسيا على المدى الطويل.
وفي الإصدار الجديد من الاستراتيجية، أعطيت الأولوية القصوى لحماية شعب روسيا، بالإضافة إلى إمكانية تعزيز الثقة والأمن في المجال الدولي. وتستند استراتيجية الأمن القومي الجديدة على تعزيز القدرات الدفاعية والوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية، وقد وُضِعت على أساس أن روسيا بلد ذو سيادة مطلقة وسياسة خارجية وداخلية مستقلة وقدرة على مواجهة الضغط الخارجي.
وفي الوقت نفسه، أكّدت شرعيّة اعتماد تدابير لمواجهة المخاطر التي تشكل تهديداً لسيادة روسيا وسلامة أراضيها، وترتكز إلى الدور القيادي للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتبتعد عن سياسة الأحلاف والتكتلات العسكرية.
ومن أجل ضمان الأمن الاقتصادي، تحدد الاستراتيجية المهام التي تهدف إلى زيادة قدرة روسيا التنافسية لمواجهة آثار التهديدات الخارجية والداخلية، وتهيئة الظروف للنمو الاقتصادي بمعدلات أعلى من المعدلات العالمية، وغيرها من الأمور.
وتتحدَّد الأولويات القومية الاستراتيجية الروسية بـ 9 بنود: الحفاظ على الشعب الروسي وتنمية الإمكانات البشرية، والدفاع عن الدولة، وضمان امن الدولة والمجتمع، وضمان أمن المعلومات، وضمان الأمن الاقتصادي، وتحفيز التطور العلمي والتكنولوجي، والحفاظ على سلامة البيئة والاستثمار العقلاني للموارد الطبيعية، وحماية القيم الروسية التقليدية والروحية والأخلاقية والثقافة التاريخية والإرث التاريخي، وضمان الاستقرار الاستراتيجي والتعاون الدولي المتبادل المنفعة.
وتنص الاستراتيجية الجديدة على: الحفاظ على الشعب الروسي أولوية قصوى للدولة، مشيرة إلى أن العالم المعاصر يمر بمرحلة تحول مع زيادة خطر تحول نزاعات مسلحة إلى حروب إقليمية ستشمل خاصة دولا ذات ترسانة نووية، وأضافت: العمل جار في العالم بنشاط على تحويل المجال الفضائي والمعلوماتي إلى مجال جديدة لخوض القتال، وأكدت على أن عدد من الدول في العالم تصنف روسيا بـ”تهديد” وحتى “خصم عسكري”، مشيرة إلى أن “تدرب حلف الناتو على سيناريوهات استخدام السلاح النووي ضد روسيا يزيد من المخاطر العسكرية التي تواجهها البلاد”، وشدّدت على “إدراج تطوير التعاون مع الصين والهند إلى قائمة أولويات الدولة الروسية في مجال السياسة الخارجية”، مضيفة: “من حق روسيا اتخاذ إجراءات مناسبة وغير مناسبة لمنع وإحباط أي أعمال غير عدائية تشكّل خطراً على سيادتها ووحدة أراضيها”.
وأضافت الوثيقة الأمن السيبراني إلى قائمة الأولويات القومية الاستراتيجية للدولة الروسية، نظراً لاستخدام عدد من الدول الأجنبية تكنولوجيات تقنية المعلومات (أي تي) للتدخل في شؤون البلاد الداخلية، وزيادة ملموسة في عدد الهجمات السيبرانية ضد روسيا، مشيرة إلى أن روسيا تواجه حملات تضليلية وتخريبية في الإنترنت تستهدف بالدرجة الأولى الشباب (منها تداول أنباء كاذبة عن خطر تنفيذ هجمات إرهابية ودعوات للانتحار ونشر مواد متطرفة والتحريض على ارتكاب أعمال غير قانونية وترويج تناول المخدرات وغيرها)، وأضافت: شركات دولية عملاقة تسعى إلى ترسيخ احتكارها في الإنترنت والسيطرة على كل الموارد المعلوماتية من خلال فرض الرقابة غير القانونية وإغلاق موارد معلوماتية بديلة، مؤكدة على إنشاء الفضاء الآمن لتداول المعلومات الموثوق بها، وتعزيز تحصن البنى التحتية الخاصة بالمجال المعلوماتي في روسيا، وتعزيز الأمن المعلوماتي الخاص بقوات الجيش الروسي ومنتجي الأسلحة والمعدات العسكرية، وإعطاء الأفضلية إلى استخدام التكنولوجيات محلية الصنع في البنى التحتية المعلوماتية في روسيا..
وكان مجلس الأمن القومي الروسي قد صدق على الاستراتيجية الجديدة في أواخر أيار، وأوضح سكرتير المجلس نيقولاي باتروشيف حينئذ أنها تهدف إلى الإسهام في الحفاظ ورفع مستوى معيشة الشعب ومواصلة تعزيز القدرات الدفاعية للدولة ولحمة المجتمع الروسي ووحدته الداخلية، بالإضافة إلى تحقيق الأهداف القومية المطروحة في مجال التنمية وزيادة القدرة التنافسية للبلاد وتعزيز سمعتها الداخلية.
وتمثل استراتيجية الأمن القومي لروسيا وثيقة أساسية في مجال التخطيط الاستراتيجي تحدد المصالح القومية والأولويات الاستراتيجية للدولة والأهداف والإجراءات في مجال السياسات الداخلية والخارجية والتي ترمي إلى تعزيز الأمن القومي وضمان التنمية المستدامة طويلة الأمد للبلاد.