بعد غياب طويل.. الماريونيت في ورشة تصنيع الدمى المسرحية
كان من الضروري لمسرح الطفل والعرائس إقامة ورشة تصنيع دمى الماريونيت بعد أن غابت عن المسرح لسنوات طويلة، وإدراكاً لأهمية عودة هذا النوع من الدمى دعا مدير مسرح الطفل عبد السلام بدوي لإقامة هذه الورشة لسدّ الفراغ الذي أحدثه غياب دمى الماريونيت عن مسرح الطفل والعرائس بسبب عدم وجود خبراء في تصنيعها، مستفيداً من الخبرة التي اكتسبتها الفنانة إيمان عمر في تصنيع دمى الماريونيت عبر مجموعة من الدورات التي اتبعتها بجهود شخصية لتكون المشرفة على الورشة التي بدأت عملها منذ عدة أيام والتي ما زالت مستمرة في مقر مسرح العرائس بدمشق، وتبيّن عمر في حوارها مع “البعث” أن الورشة ستستمر لما بعد العيد وستختتم بتقديم عرض يقوم المشاركون فيه بتحريك الدمى التي قاموا بصناعتها، مؤكدة أن تحريك دمية الماريونيت أصعب من تحريك الدمى الأخرى، وتحتاج إلى محرّك احترافي لديه حسّ عالٍ وخيال واسع وقوة تركيز منعاً من اختلاط خيوط الدمى مع بعضها، مشيرة إلى أنها حاولت تعليم المشاركين في الورشة كيفية تحريك دمى الماريونيت، وأن الفرق كبير بين محرك الدمية ومحرك قام بتصنيع الدمية، فهنا تبدو العلاقة حميمة بين صانع الدمية ومحركها لأنه يكون مدركاً لكل تفاصيلها.
أول مرة
وتشير إيمان عمر إلى أن المشاركين في الورشة هم من عدة اختصاصات: علم النفس، فنون جميلة، بكالوريا، وسبق لبعضهم أن عملوا في مسرح الدمى عبر دمى القفاز، ولرغبتهم في إغناء تجربتهم انضموا لهذه الورشة وكانت الأعمار بين 17 و35، مؤكدة أن أغلب المشاركين لم تكن لديهم فكرة عن هذه الدمية إلا من خلال بعض العروض التي قاموا بمشاهدتها عبر النت، لذلك هم يتعرّفون لأول مرة على دمية الماريونيت وطريقة صناعتها وتحريكها من خلال هذه الورشة، تعمل عمر على تعليمهم المبادئ الأساسية لصناعة الدمية ومراحل تصنيعها، واختارت الطريقة الأسهل لأنهم ما زالوا مبتدئين وتحاول أن تضعهم على السكة الصحيحة، موضحة أن صناعة دمية الماريونيت تبدأ برسم المجسّم بشكل سطحي، ومن ثم متابعة المراحل المتعدّدة التي تمر بها هذه الصناعة استناداً إلى النص الذي تمّ اعتماده، مع الأخذ بعين الاعتبار العمل على تعليم المشاركين مراحل صناعة دمى الماريونيت المؤنسنة والحيوانات، منوهة بأن دمية الماريونيت تتميّز عن بقية الدمى الأخرى بأن الطفل يرى أمامه دمية بشكل كامل يمكن تحريك كل أعضائها من الأعلى، عكس الكثير من الدمى الأخرى التي يقوم المحرّك بتحريكها من الأسفل، من هنا فإن دمية الماريونيت تقنع الطفل أكثر للمرونة الكبيرة التي تتمتّع بها.
عدد قليل
وتبيّن عمر أنها وباجتهاد منها تعرّفت على صناعة هذا النوع من الدمى عبر العديد من الورشات التي شاركت فيها عبر النت، إحداها كانت مع فنان إسباني تعلّمت منه صناعة دمية الماريونيت، ويؤسفها أنه في سورية يوجد عدد قليل يتقنون صناعة هذه الدمية مثل هنادة الصباغ، وأن الممثلين والمحرّكين في مسرح العرائس لم يسبق أن اشتغلوا في مسرح دمى الماريونيت لأن مسرح الطفل والعرائس يفتقد لمثل هذا النوع من الدمى منذ تأسيسه، لذلك ظهرت أجيال كثيرة لم تُجرّب هذا النوع من المسرح، حيث اعتمدت على دمى أخرى في تقديم عروضها كالقفاز والجاوة.
صناعة ليست سهلة
وتبيّن المُشارِكة نور السيد وهي التي تمتهن العمل في خيال الظل أنها تعشق كل ما له علاقة بمسرح الدمى، وعندها شغف بكل ما يتعلق بالتراث الشعبي بشكل عام وبالتراث الدمشقي بشكل خاص، ووجودها في الورشة من أجل اكتساب مهارات جديدة عبر نوع آخر من المسرح يعتمد على دمية الماريونيت، مشيرة إلى أنها اكتشفت من خلال الورشة أن دمية الماريونيت متنوعة الخامات وهذا يفسح المجال للصانع لاختيار ما يناسبه، وبأن صناعة دمية الماريونيت ليست سهلة فهي تحتاج إلى الإتقان، منوهة بضرورة الاستفادة من هذه الورشة إلى أقصى حدّ لأنها ستكون بالنسبة لها ولغيرها ركيزة أساسية في البحث عن تقنيات أخرى تلائم ظروف كلّ مشارك ومهاراته، متمنية بعد هذه الورشة أن يكون لها عمل وتقدّم عروضاً أمام الجمهور تعبّر من خلالها عن قدرتها من خلال مسرح العرائس.
الرسم الجيد أولاً
وتعبّر راما بدوي وهي خريجة كلية الفنون الجميلة- قسم الحفر عن سعادتها بوجودها في هذه الورشة بإشراف الفنانة إيمان عمر التي تعشق عملها وتهتمّ بكل التفاصيل فيه وتتمتع بتركيزٍ عالٍ، موضحة من خلال وجودها في الورشة أن أهم خطوة في صناعة الماريونيت هي الرسم الجيد الذي يمكن التأسيس عليه لصناعة الدمية بشكل صحيح، لذلك إذا لم يكن الرسم جيداً فكل ما يتم بناؤه عليها سيكون غير صحيح ولن يتم الوصول إلى النتيجة النهائية المرادة، وصانع دمية الماريونيت يجب أن يتحلّى بالصبر والدقة والتركيز العالي والقدرة على تشريح الدمية، ومن ثم إنجاز كاركتر خاص بها، ولا تخفي بدوي أن وجودها في الورشة حرَّضها على البحث عن معلومات حول دمية الماريونيت، وتختتم كلامها بالإشارة إلى أنها تميل إلى تصنيع دمية الماريونيت أكثر من تحريكها الذي يحتاج للكثير من المهارات، لذلك ترى أنها إذا ركّزت على التصنيع فستخرج بنتيجة إيجابية.
مهارات إضافية
تمتلك المشاركة فداء عمر أرضيّة جيّدة في صناعة الماريونيت بحكم قربها من إيمان عمر ووجودها الدائم معها، وقد ساعدها هذا القرب في اكتساب مهارات أولية وأرادت من خلال الانضمام للورشة تطويرها واكتساب مهارات إضافية، مشيرة إلى أن أهم ما يميّز دمية الماريونيت هو أن صانعها بإمكانه أن يُقدّم العديد من الإضافات عليها، فصناعتها فن، والفن لا حدود له وترى أن صناعة الدمى تحتاج إلى خيال واسع، وهي من الذين يؤمنون أن الأجدر بها أن تقوم هي بتحريك الدمية التي صنعتها لأنها تعرف كل تفاصيلها وتربطها علاقة وثيقة بها تجعلها قادرة على منحها روحاً.
أمينة عباس