الفراق في زمن الاستعباد.. قصة كيس قطني بالٍ
في عام 2016، صادفت المؤرخة الأمريكية تيا مايلز عند زيارتها للمتحف الوطني لتاريخ الأفارقة الأمريكيين وثقافتهم تحفة أذهلتها، مع أنها مجرد كيس بِذار قطني بسيط كساه الزمن بلون أصفر، ولكن على ثلثه السفلي رسالة طرّزت بخيوط حمراء وبنية وخضراء مفادها: “روز، والدة جدتي، أعطت ابنتها آشلي هذا الكيس عندما بيعت في ساوث كارولينا وعمرها 9 سنوات، وفيه فستان رثّ، وثلاث حفنات من جوز البقان، وضفيرة من شعر روز، وقالت لها: إنها ملأى بحبي الدائم، ولم ترها بعد ذلك قط، وآشلي هي جدتي.
قدمت روث في هذه الرسالة القصيرة لمحة شديدة التأثير عن قسوة انفصال الطفل عن أهله بسبب العبودية، وتثير هذه القصة عاطفة جيّاشة، فعندما عرض “الكيس” في عام 2011 في “ميدلتون بليس”، أجهش المتفرجون بالبكاء، حتى أن القيّمين وضعوا بقربه علبة مناديل، ويعرف الكيس اليوم باسم “كيس آشلي”، وتجدر الإشارة إلى أن ميدلتون بليس كانت مزرعة لعائلة ميدلتون تحوّلت فيما بعد إلى متحف في ساوث كارولينا.
وقالت المؤرخة تيا مايلز إنها شرعت “بمشروع استكشافي عميق” لتجمع ما أمكنها من معلومات عن الكيس وأصحابه، بعد أن ألهمتها كلمات روث، وبلغ بحثها الآن ذروته في كتابها الجديد “تذكار العائلة السوداء”، وهو كتاب يضع هذه التحفة الأثرية في قلب رواية أمريكية ملحمية.
بعد أن زيّنت روث الكيس برسالتها في عام 1921، ظل الغموض يكتنف رحلته، وقالت مايلز إن امرأة بيضاء اكتشفت الكيس مصادفة في سلة خِرق في سوق للسلع المستعملة في ولاية تنيسي في عام 2007، وبعد أن علمت المرأة أن للكيس علاقة بمتحف ميدلتون، تبرّعت به إلى هذا المعلم التاريخي، ومن ثم أعاره المتحف في عام 2016 للمتحف الوطني لتاريخ الأفارقة الأمريكيين وثقافتهم، حيث ظل معروضاً فيه حتى وقت سابق من هذا العام.
وعلى الرغم من الارتباط الذي توحي به كنية روث، أشارت الأبحاث المكثفة التي أجرتها مايلز وعالم الأنثروبولوجيا الثقافية مارك أوسلاندر إلى أن روز وآشلي استعبدهما روبرت مارتن، إذ ظهر اسما الامرأتين في سجلات العبيد التي دوّنت بعيد وفاة مارتن في عام 1852.
خلال فترة الاضطراب تلك التي أعيد فيها تنظيم الشؤون المالية للعائلة وتصفيتها، من الجائز أن يكون أقارب مارتن باعوا آشلي البالغة من العمر 9 سنوات وأبعدوها عن والدتها، ومع ذلك، تقول مايلز في كتابها إن احتمالات تطابق الأسماء المدرجة في هذه السجلات مع أسلاف روث “أكثر دقة ولكنها ليست مطلقة”.
وبسبب ندرة المصادر، تضع مايلز كيس أشلي في نقاش أكبر حول حياة النساء السود المستعبدات وذرياتهن، ونظراً لمعرفتها بالمعاناة التي قد تكابدها الابنة، زودت روز ابنتها آشلي بـ “حقيبة طوارئ للمستقبل”، الفستان والجوز وخصلة الشعر المشار إليها في الرسالة المطرزة.
وتضيف المؤرخة: “تبيّن لنا هذه العناصر ما تعده النساء المستعبدات ضرورياً، وما كان في متناول أيديهن، وما كن عازمات على إنقاذه”.
عندما طرّزت روث تاريخ أسلافها في هذا الكيس القماشي في عام 1921، حافظت أيضاً على إرث عائلتها، وتفحص مايلز خلال كتابها كيف يمكن للعلماء أن يتعاملوا بصورة خلاقة مع فجوات السجل التاريخي، خاصة عندما تأتي معظم المصادر حول العبيد في التاريخ الأمريكي من المستعبدين أنفسهم.
كتبت مايلز: “لولا روث لما كان هناك سجل تاريخي، ولولا سجلها لما وصلنا تاريخ عائلتها”.
تجدر الإشارة إلى أن مالكي المزرعة السابقين، عائلة ميدلتون، كانوا يستعبدون مئات الأشخاص في القرن التاسع عشر.
إعداد: علاء العطار