تحقيقاتصحيفة البعث

13 ألفاً منها مفعلة فقط.. إعادة إحياء المكتبات المدرسية ضرورة ملحة

دمشق – ميس خليل

أثبتت الدراسات التربوية أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين قراءة الطفل وبين تقدّمه الدراسي والعلمي، كما أثبتت أن الطفل القارئ لديه تفوق لغوي ومهارة تعبيرية وسرعة بديهة وذكاء في الجواب، لأن القراءة ترفع مستوى الفهم، وتوسّع دائرة الخبرات، وتفتح أمام الطفل أبواب الثقافة والمعرفة. ولكن هل سعينا لتكريس هذه العادة لدى أطفالنا منذ صغرهم من خلال مكتباتنا المدرسية وفعّلنا دورها للوصول إلى جيل واعٍ ومسؤول؟.. ماذا عن واقع مكتباتنا المدرسية حالياً؟.

مجرد حارس
ترى الآنسة مادلين أمينة مكتبة مدرسية منذ عدة سنوات أن عمل أمين المكتبة، للأسف، غالباً ما يكون مجرد حارس لها، وأن هناك عزوفاً ملحوظاً عن التواصل مع الكتاب التقليدي، وذلك بسبب تعدّد مصادر المعرفة وخاصةً الإنترنت والفضائيات.
فيما يرى أحمد “مرشد اجتماعي” أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي غيّرت اهتمامات الطلاب وخصوصاً القراءة من الكتب، وبالتالي هذا يدفعنا إلى التفكير بربط هذه المعطيات في خدمة القراءة والطلاب.

ليست بخير!
الدكتور عيسى العسافين، رئيس جمعية المكتبات السورية، يرى أن المكتبات المدرسية في سورية ليست بخير للأسف، ولا يرتبط ذلك بظروف الأزمة فقط وما تم تدميره من مدارس ومكتبات، لكن ذلك يرتبط بالموروث من عدم توفر الكفاءات المختصة لاستلام عمل أمين المكتبة الذي يعيّن عادة من فئة معلمي الفائض الصحي، أي الفئة التي خدمت فترة طويلة في التعليم وتعرضت لمشكلة صحية ما، حيث تتم إحالتهم للعمل الإداري أي للراحة وليس للقيام بواجباتهم طبعاً، كما كان للدراما في بعض الأحيان دور في ذلك بحيث كرست أن من يُغضب عليه يحال إلى المكتبة أو الأرشيف، ولكن إذا نظرنا إلى وظيفة عمل اختصاصي المكتبة كعمل نموذجي فهو أصعب بكثير من عمل الأستاذ أو المدرّس، ولكن في ظل تهميش المكتبات المدرسية أصبحت مكاناً للراحة واختزلت وظيفة المكتبة المدرسية بوظيفتين: استلام الكتب بنهاية العام وتوزيع الكتب المدرسية ببداية العام.
وذكر العسافين لـ “البعث” أن مجموع المكتبات المدرسية الموجودة في سورية يقارب الـ 30 ألف مكتبة، وتمّ تدمير عدد كبير منها خلال الحرب، في حين أن المكتبات المفعلة تقارب الـ 13 ألفاً، ولكن تلك المكتبات هي موجودة كـ “خدمة” في حين أن وظائفها مغيبة.
وبيّن العسافين أن نمط التربية في العالم تحول من التعلم التلقيني إلى التعلم الذاتي بمعنى يصل الطالب لمرحلة الماجستير أو الدكتوراه وهو لا يجيد كتابة بحث علمي، في حين أنه في الدول المجاورة لديهم مادة في مرحلة التعليم الأساسي تُسمّى المكتبة والبحث يتم تعليم الأطفال فيها على كتابة البحث العلمي منذ نعومة أظفارهم، وبالتالي يمتلكون مهارة منذ الصغر. وأوضح أن المكتبات المدرسية تعاني من عدة مشكلات بدءاً بالمكان غير المناسب والمحتوى وانتهاء بالأشخاص المسؤولين عنها، لذلك لابد من دعم المكتبة المدرسية بالكتب الجديدة التي ترفد المناهج التعليمية، فهناك الكثير من الكتب الموجودة في المكتبات والتي لا تفيد الطلاب بل تفيد المختصين، ولذلك لابد من توفير كتب جديدة تناسب مختلف الفئات العمرية ومختلف الاهتمامات، وكتب تخدم المنهاج وتنمّي مهارات الإبداع والتفكير الخلاق لدى الطلاب.

مكتبات إلكترونية
المثنى خضور مدير التوجيه في وزارة التربية قال: لم تعد مهمة المدرسة والتربية عموماً تلقين المتعلم المعارف والمعلومات، بل أصبح الهدف الأساسي التمكين من مهارات الوصول إلى المعارف من مصادرها المتنوعة وتحليلها وتوظيفها في حياته.
وبيّن خضور أن المكتبة المدرسية أحد أهم مصادر المعرفة التي تسعى التربية إلى تطويرها وربطها باحتياجات المناهج واحتياجات المتعلمين، واليوم توجد مكتبة في كل مدرسة ولكنها وبسبب ظروف الأزمة التي مرّ بها وطننا الحبيب تعاني من مجموعة من المعوقات منها قلة عدد العناوين فيها، حيث تراجعت عملية تزويدها بالكتب الثقافية، ويعود ذلك إلى تركيز الوزارة على الأولويات من تجهيزات أساسية ووسائل تعليمية وكتب دراسية.
وأضاف خضور: مع دخول سورية مرحلة النصر والبدء في إعادة الأعمار ولاسيما المدارس، وضعت الوزارة خططاً طموحة للاستفادة من التقنيات الحديثة، منها إنشاء مكتبة إلكترونية تكون غنية بآلاف المراجع الإلكترونية التي يمكن للمتعلم العودة إليها للحصول على المعلومات المطلوبة، وهذا لا يغني عن رفد المكتبات المدرسية خاصة المراحل الدراسية الأولى بكتب ورقية تساعد المتعلم في المراحل العمرية الأولى على تكوين علاقة وطيدة مع الكتاب.
كما تعمل الوزارة على تدريب الأطر العاملة في المكتبات كون معظمهم من غير المختصين والإشراف على عملهم من قبل إدارة المدرسة، حيث يجب أن يكون لكل مدرسة خطة علمية تتضمن أنشطة صفية ولا صفية، منها زيارة المكتبة في حصص مطالعة وإقامة مسابقات للقراءة والشعر والقصة وغيرها من الأنشطة الموازية للدروس التعليمية والداعمة لها، وتسعى الوزارة إلى تطوير العلاقة بين المدرسة والمجتمع المحلي لدعم المدرسة والمكتبة المدرسية خصوصاً بكتب متنوعة ثقافية وعلمية تغني وتساعد على تحقيق أهداف المدرسة والتربية.

إحياء المكتبات أولاً 
بالعودة إلى الدكتور العسافين، فقد بيّن أن جمعية المكتبات السورية وقعت مذكرة تفاهم مع وزارة التربية حول التحول إلى المكتبات الإلكترونية بعد ثلاثة اجتماعات مع الوزارة حول هذا الموضوع المهم والضروري، ولكن علينا في البداية إعادة إحياء المكتبات المدرسية الموجودة لدينا وتفعيل دورها ومن ثم الانتقال إلى المكتبات الالكترونية، وفي ظل ضعف الإمكانات المتواجدة لدينا وظروف الأزمة لابد من توافر مكتبة إلكترونية واحدة وترسل خدماتها، أي أن تكون المكتبة المركزية الموجودة في منطقة “القصاع “على سبيل المثال هي المكتبة المركزية وتبث خدماتها لجميع المكتبات المرتبطة بها، مشيراً إلى أنه سيتم عقد ورشة عمل حول هذا الموضوع في القترة القادمة وستطالب الجمعية بضرورة إحداث مكتبة نموذجية أسوة بالأونروا.
وذكر العسافين أنه لابد من العمل على تفعيل دور المكتبة المدرسية في العملية التعليمية، كما يجب العمل على تغيير بعض التشريعات، أي أن تكون المكتبة المدرسية لها دور أساسي في عملية التعلم وإيجاد حصة دراسية أسبوعية تركز على مهارات البحث عن المعلومات، مؤكداً أن غياب المكتبة المدرسية، سيلحق ضرراً بالغاً بالعملية التربوية برمتها.